من ضمن ما حملته الانتفاضة من أجل الديمقراطية في الجزائر نهاية أسطورة المخابرات ولاسيما بعد اعتقال مديرها الأبدي الجنرال توفيق مدين رائد صحافة العهر والمؤامرات الذي انتهى به المطاف في السجن بعدما كان يعتقد في تحكمه في صناعة القرار.
ويعد هذا الجنرال من الشخصيات التي طبعت الجزائر بطريقة سلبية للغاية طيلة السنوات التي قضاها في تدبير الملفات الاستخباراتية والأمنية للبلاد من بداية التسعينات حتى 2015 حتى أنه حمل لقب “رب الجزائر” لأنه كان يطبق رواية جورج أوريل بطريقة دقيقة وبشعة.
ومثله مثل باقي مدراء الاستخبارات في الدول غير الديمقراطية، أقام جهازا على مقاسه ويعكس طموحاته وأحلامه التي ليست بالضرورة أحلاما نظيفة بل أحلام الدكتاتور الصغير الذي يعتقد أن السماء أوكلت له حماية الوطن.
لقد أبدع ها الجنرال في ترسيخ صورة المواطن العدو للبلاد والأمة لمجرد أن هذا المواطن الجزائري يطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وشدد على نهاية الفساد ونهب خيرات البلاد واعتقد في تكافئ الفرص بين المواطنين. لكن هذا الجنرال، لم يتردد في استعمال أساليب الاستعمار الفرنسي من خلال حماية الفساد حتى تبقى البلاد دون باقي الأمم رغم امتلاكها مقومات كثيرة ومنها الموارد الطبيعية.
وعلاوة على الاعتقالات وطبخ الملفات، تفنن الجنرال في إنشاء الذباب الورقي وصحافة الدعارة والدناءة من خلال استخدام الصناديق السوداء لتمويل جرائد ومجلات ورقية ولاحقا رقمية لمهاجمة المعارضين وخاصة أولك الذين ينددون بالفساد ويطالبون بجزائر للجميع وليس لأقلية اغتصبت ونهبت أموال الشعب.
وكان هذا الجنرال يشن حربا نفسية ودعائية لم تكن موجهة لحماية الأمن القومي للبلاد بل ضد أي عملية إصلاح حقيقي، فكان بدون أن يشعر يخدم أجندة الدول الأخرى وخاصة الاستعمارية التي ترغب في فساد مستعمراتها السابقة. وهكذا، أعطى الضوء الأخضر لصحافة الدعارة والعهر بالتشهير بالناس والمس بشرفهم، ووفر الحماية لصحافة الدعارة ضد اي متابعة على شاكلة الاستعمار الفرنسي عندما كان يهاجم المطالبين بالحرية. وكان هذا الجنرال ساديا ومريضا نفسانيا يتلذذ بمهاجمة الناس في صحافة الدعارة وكأنه حقق انتصارات وفتوحات كبرى لصالح الأمة والبلاد دون أن يدري أنه كان يسيئ الى جهاز يعد ضروريا لحماية الأمن القومي للبلاد، وكان يعطي صورة قاتمة وسلبية عن الجهاز.
ويتساءل الجزائريون: ماذا فعلت المخابرات إبان إدارة الجنرال مدين في محاربة الفساد وتهريب الأموال؟ ذلك أن محاربة الفساد من أهم عناصر الأمن القومي للبلاد. لم يفعل شيئا.
ومن مفارقات التاريخ، أن هذا الجنرال سيصبح فريسة للأقلام نفسها التي مولها من أموال الشعب عندما جرى اعتقاله خلال مايو الماضي وبدأت تستعرض جرائمه من تآمر على البلاد وانتهى به المطاف معتقلا ذليلا في السجن ب 15 سنة.
إن مدرسة توفيق مدين الاستخباراتية نموذج لمدرسة التردي واللاوطنية والخيانة وغياب الضمير الوطني المعارضة لتطلعات الشعب بل وتجعل من الشعب العدو بل أن تكون في خدمته. فهي تختلف عن تلك الراقية مثل الألمانية والسويدية التي تخدم مصالح الأمة والشعب فوق أي اعتبار. النرال توفيق خدم الفساد وأبقى على الجزائر غارقة في المشاكل. إن خطئ الجزائر كان هو تفويض سلطات كبيرة لمدير مخابرات بدون ضمير وطني وبدون فهم الأمن القومي الحقيقي للبلاد لاسيما في غياب المراقبة واستمراره لمدة طويلة في المنصب، مما جعله يقيم شبكة من الفاسدين التي تخدم مخططاته وصورته وليس بالضرورة هي تطلعات الشعب، وأخيرا بنتهي به المطاف منبوذا في السجن بتهمة الخيانة.