شكل اعتقال الصحفي عمر الراضي منذ أسبوعين ضربة موجعة لصورة الملك محمد السادس في وسائل الاعلام الدولية، بينما انبرى نوع من الصحافة للدفاع عن صورة مدير الشرطة والاستخبارات عبد اللطيف الحموشي بحماس أكثر من دفاعه عن الملك شخصيا.
ومن أبرز المقالات التي تطرقت الى الموضوع بنوع من النقد الشديد جريدة الواشنطن بوست التي استغربت من حصول الاعتقال بسبب تغريدة بسيطة في تويتر حول القاضي الذي أصدر الأحكام في حق مناضلي الحراك الشعبي في الريف. وتفاديا لتعرض صورة المغرب لمزيد من الضرر، جرى إعطاء الأوامر لتصحيح الخطئ بالإفراج عن عمر الراضي يوم 30 ديسمبر، يومين قبل مثوله أمام القاضي، في سابقة من نوعها في تاريخ القضاء خلال العشرين سنة الأخيرة.
وانتقد مقال واحد من المقالات مسؤولية الجهاز الأمني، وهو مقال المعطي منجب، فتعرض هذا المؤرخ لحملة قوية في نوع خاص من الصحافة التي انبرت للدفاع عن مدير الشرطة والاستخبارات عبد اللطيف الحموشي. وهو ما لفت الانتباه بما في ذلك انتباه المحيط الملكي الذي تساءل البعض منهم: متى كانت الصحافة تدافع عن مدير جهاز أو هيئة أكثر من دفاعها عن ملك البلاد نفسه؟ وجرى نشر خمس مقالات في ظرف 24 ساعة بخطاب ومضمون متقارب للغاية كله سب وشتم وكأن المعطي منجب هو الذي لا يحرك أجهزة الدولة لرصد تهريب العملة وهو الذي يقف وراء إغراق المغرب في المديونية. ولم ترد هذه الصحافة على المنابر الغربية التي تحدثت عن الملك مباشرة بل فقط عن تلك التي تطرقت الى الحموشي.
ومما ضاعف التعجب والاستغراب هو أنه بينما حاولت الدولة إيجاد حل لهذا الاعتقال الناتج عن تصرف قد يكون أحد المتسببين فيه الحموشي نفسه باستدعاء الشرطة لعمر الراضي بدل القضاء مباشرة، هو قيام بعض الصحف بالكتابة أن “الاعتقال من مسؤولية القضاء وليس الأمن”، وهو كلام موحى به في محاولة لتبرير الحموشي من مسؤولية اعتقال الصحفي. وعلق أحد المسؤولين المقربين من القصر “الدولة تتحرك ككثلة، ويبدو أن هناك من يحاول سل نفسه من المسؤولية وكأنه تحسبا لما يفترض أنه سيحدث غدا“.
ومن المظاهر السلبية التي لم تكن موجودة في الصحافة المغربية هو كيف ظهرت فئة من الصحفيين خلال الخمس سنوات الأخيرة تشن حملات ضد كل منبر إعلامي أو سياسي أو مفكر تحدث بطريقة واقعية عن مدير الشرطة والاستخبارات، ويصبح عرضة للسب والقذف ونشر إشاعات حقيرة عنه وعن عائلته بشكل لم تشهده الصحافة المغربية من قبل. هذا الوضع دفع الكثير من المراقبين للتساءل حول من يقف ومن يشجع من وراء الستار هذا النوع المقزز من الصحافة؟ وتحاول هذه الصحافة الإيحاء بأن انتقاد مدير الأمن والاستخبارات هو انتقاد لجهاز الأمن، وهذه استراتيجية غبية لأن هناك فرق بين من يشرف على التسيير وبين الجهاز كمؤسسة وطنية. المشرف على الجهاز يتحمل المسؤولية لفترة زمنية ويخضع للنقد بينما الجهاز هو مؤسسة الوطن.
في الوقت ذاته، توجد ملاحظة أخرى، يتميز كل مدراء الشرطة والاستخبارات في المغرب السابقين وفي العالم بنوع من الاحتياط من وسائل الاعلام، حيث لا تجد ذكرهم في الصحافة الوطنية والدولية إلا نادرا حتى لا يعطون الانطباع بأن الدولة بوليسية واستخباراتية. لكن في حالة الحموشي، فهو يوجد بشكل يومي في نوع معين من الصحافة التي تمجده، وهو ما يثير التساؤل عن هدف هذا الحضور الذي يتجاوز التواصل الى تلميع الصورة بطريقة تدعو للشفقة أحيانا. ويبدو أن هدف هذه الصحافة هو تجميد كل نقد لعمل مدير الشرطة والاستخبارات من قبل: ما دوره في محاربة الفساد الذي يتغلغل أكثر في الوطن ويعيق تطوره؟ ما دوره في محاصرة الجريمة التي ارتفعت؟ ما دوره في محاصرة الانفصال في الصحراء الذي يتفاقم؟ من باب المقارنة، لماذا يغيب نهائيا مدير الاستخبارات العسكرية ياسين المنصوري عن وسائل الاعلام بينما يحضر الحموشي؟
ويبقى المثير أن الحموشي يختفي عندما يطالب الرأي العام بتوضيحات، ومنها ما حصا مؤخرا حول تورط رجال الشرطة في التهريب وفق لجنة برلمانية: كيف يفسر تورط 200 سيارة لموظفي الأمن والجمارك في التهريب من سبتة طيلة مدة طويلة دون أن يتحرك لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة؟