في تقرير حصري لها سلطت وكالة “رويترز” للأنباء الأضواء على تزايد الاستياء والتذمير بين بعض أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال في السعودية الذين عبروا عن إحباطهم من قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك بعد الهجوم الصاروخي وبالطائرات المسيرة الذي نفذته حركة “انصار الله” الحوثية وأصاب عصب الصناعة النفطية في المملكة بإطلاق عشرات القذائف والصواريخ على مصفاتي شركة “أرامكو” في ابقيق وخريص، واثر بشكل سلبي على بناها التحتية، وشل الصناعة النفطية وخفض انتاج المملكة من النفط بحوالي خمسة ملايين برميل، أي بمعدل النصف.
ونقلت الوكالة عن دبلوماسي أجنبي كبير وخمسة مصادر أخرى، طلبوا عدم نشر أسماءهم، تربطهم علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال أن هذا الأمر أثار قلقا وسط عدد من الفروع البارزة للعائلة المالكة السعودية ذات النفوذ القوي بشأن قدرة الأمير بن سلمان على الدفاع عن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقيادتها.
وقالت المصادر حسب “رويترز”، إن الهجوم أثار سخطا وسط بعض الذين يعتقدون في دوائر النخبة أن ولي العهد سعى لتشديد قبضته على السلطة، وقال بعض هؤلاء أنه اتخذ موقفا عدوانيا مبالغا فيه تجاه إيران بعد الهجوم على منشآت “أرامكو”.
وقال أحد أفراد النخبة السعودية الذي تربطه صلات بالعائلة المالكة للوكالة “ثمة حالة استياء شديد” من قيادة ولي العهد بسبب فشل المملكة في رصد الهجوم، خاصة انه انفق عشرات المليارات من الدولارات لشراء صفقات أسلحة امريكية طوال الأعوام الخمسة الماضية، ويتحمل المسؤولية باعتباره وزير الدفاع الى جانب كونه الحاكم الفعلي للبلاد.
وأجمعت جميع المصادر على فقدان النخبة الحاكمة الثقة في ولي العهد في إدارة الحكم في المملكة. وقال الباحث لدى مؤسسة “تشاتام هاوس” البحثية في لندن نيل كويليام، وهو خبير في شؤون السعودية والخليج، “هناك تقلص في الثقة في قدرته على تأمين البلاد، وهذه نتيجة لسياساته”، مشيرا إلى أن الأمير محمد بن سلمان يشرف على السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية.
واستهدفت هجمات الرابع عشر من سبتمبر/أيلول الماضي وحدتين لمعالجة النفط لشركة أرامكو السعودية العملاقة، مما أدى في بادئ الأمر إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط، وهو ما يمثل 5% من إنتاج النفط العالمي، ويعتقد خبراء في الشؤون النفطية ان عودة المملكة لمعدلات انتاجها الطبيعية، اي حوالي 10.2 مليون برميل يحتاج الى عدة اشهر.
وألقت السعودية بالمسؤولية على إيران، وهو تقييم يشترك فيه المسؤولون الأميركيون. غير أن مسؤولين إيرانيين نفوا تورط بلادهم في هذا الهجوم، او هجمات أخرى على المنشآت النفطية السعودية.
وأجج الهجوم مشاعر استياء بدأت منذ تولي الأمير بن سلمان منصبه قبل خمس اعوام، حيث ازاح منافسيه على العرش واعتقل المئات من أبرز الشخصيات في المملكة بسبب مزاعم فساد لفترات طويلة وصادر أموالهم واصولهم، ومنعهم من مغادرة المملكة بعد الافراج عنهم، وما زال يعتقل العديد منهم، ومن بينهم الامير خالد بن طلال، شقيق الأمير الوليد بن طلال الذي يقبع في السجن لأكثر من عامين ويرفض الافراج عنه، وكان من بين المعتقلين الأمير الوليد بن طلال نفسه، وكذلك الأمير متعب بن عبد الله، رئيس الحرس الوطني السابق، وعدد كبير من رجال الاعمال، مثل محمد العامودي، وصالح كامل، ووليد الابراهيم، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي الأسبق.
وتضررت سمعة الأمير محمد بن سلمان في الخارج بسبب حرب مكلفة في اليمن على جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، كما تعرض بن سلمان لانتقادات دولية بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل عام في قنصلية المملكة في إسطنبول، واعلن الأمير بن سلمان تحمله المسؤولية كاملة قبل يومين من الذكرى السنوية لمقتل الخاشقجي في مقابلة بثتها قناة “سي بي اس” الامريكية” باعتبار ان الجريمة تمت اثناء حكمه.
وقال ولي العهد، خلال المقابلة التلفزيونية، إن الدفاع عن السعودية أمر صعب نظرا لحجم المملكة الكبير ونطاق التهديدات التي تواجهها. وقال “من الصعب تغطية كل هذا بالكامل”. ودعا أيضا إلى اتخاذ إجراء عالمي “قوي وصارم” لردع إيران، لكنه قال إنه يفضل “الحل السلمي” على الحل العسكري.
ووفقا للمصادر التي التقتها وكالة “رويترز” هناك انتقادات واسعة داخل النخبة الحاكمة ورجال الاعمال السعوديين للسياسة الخارجية “العدائية” التي ينتهجها الأمير السعودي تجاه إيران وتورطه في حرب اليمن، والتي حسب آرائهم كانت السبب وراء الهجمات التي تتعرض لها المملكة، كما عبروا عن شعورهم بالإحباط لأن بن سلمان لم يتمكن من منع الهجمات، على الرغم من إنفاق مئات مليارات الدولارات على الدفاع.
وكان الأمير محمد بن سلمان قد أطاح بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد ووزارة الداخلية قبل عامين، وكان لولي العهد السابق خبرة لنحو 20 عاما في المناصب العليا في الوزارة التي كانت مسؤولة عن الشرطة المحلية والاستخبارات، ومواجهة الحركات الإرهابية، وقد تعرض الامير بن نايف الى محاولة اغتيال نفذها احد عناصر تنظيم “القاعدة”.
وعين الأمير بن سلمان ابن عمه البالغ من العمر 33 عاما بدلا منه بعدما جعل القطاعات الرئيسية للمخابرات ومكافحة الإرهاب ضمن اختصاص الديوان الملكي.
كما أطاح ولي العهد بالأمير متعب بن عبد الله الذي كان يشرف على قيادة الحرس الوطني ويتولى قيادته فعليا منذ عام 1996. وفي نهاية المطاف حل محله في أواخر العام الماضي الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز وكان عمره آنذاك 32 عاما وكان نائب أمير منطقة مكة لمدة تقل عن عامين وقبل ذلك كان يعمل في الأعمال التجارية.
ويقول مطلعون سعوديون ودبلوماسيون غربيون إن الأسرة لن تعارض على الأرجح الأمير محمد بن سلمان خلال وجود الملك على قيد الحياة، وأقروا بأنه من غير المحتمل أن ينقلب الملك على ابنه الأثير، فليس من تقاليد هذه الاسرة واعرافها الانقلاب على الملك، والاستثناء الوحيد كان عندما أطاحت بالملك سعود وتعيين ولي عهده الملك فيصل مكانه لأسباب قيل انها تتعلق بإسراف الملك وسوء ادارته للحكم.
ونقل الملك سلمان معظم مسؤوليات الحكم لابنه، لكنه لا يزال يترأس اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ويستقبل كبار الشخصيات الأجنبية، ولكن نجله بن سلمان هو الذي يدير الدولة.
ويقول المطلعون والدبلوماسيون إنه بصرف النظر عما سيحدث في المستقبل بعد الملك، فإن تحدي سلطة الأمير محمد بن سلمان قد يكون صعبا في ظل قبضته المُحكمة على الأمن الداخلي، والجيش والاستخبارات وسياساته القمعية لخصومه ومعارضيه.
وينظر بعض الأمراء إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز (77 عاما)، وهو الأخ الشقيق المتبقي الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، بعد وفاة خمسة من الامراء السديريين السبعة، الملك فهد، والامراء نايف وتركي وسطان وعبد الرحمن، كبديل ممكن يحظى بدعم أفراد الأسرة والجهاز الأمني وبعض القوى الغربية، على حد قول اثنين من المصادر الخمسة التي تربطها علاقات بالنخبة السعودي، وكان الأمير احمد قد اكد في تسجيل تلفزيوني نادر معارضته لحرب اليمن اثناء وجوده في لندن قبل عام.
وقال أحد رجال الأعمال الكبار “ينظرون جميعا إلى (الأمير) أحمد ليروا ما سيفعل. لا تزال العائلة تعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع الحفاظ عليها”، حسب رويترز”.
ولا يوجد دليل على أن الأمير أحمد مستعد للقيام بهذا الدور، وفقا لمراقبين سعوديين. ولا يضطلع الأمير أحمد بدور رسمي، وظل بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير منذ عودته إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج، وخلال الرحلة بدا أنه ينتقد القيادة السعودية بينما كان يرد على متظاهرين خارج مقر إقامته في لندن وهم يهتفون بسقوط أسرة آل سعود، وطالب هؤلاء بتوجيه اللوم الى من اتخذ القرار بشن الحرب على اليمن وليس على الاسرة الحاكمة كلها.
وكان الأمير أحمد واحدا من ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة، التي تضم كبار أفراد الأسرة الحاكمة، عارضوا أن يصبح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في العام 2017، بحسب مصدرين سعوديين في ذلك الحين.