يهتم الرأي العام المغربي بالتقاعد الاستثنائي المفترض لرئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران الذي يبلغ 90 ألف درهم، وتختلف الآراء هل يتعلق الأمر بتقاعد مستحق أم بطغيان الريع في دولة يموت أبناءها في البحر بحثا عن لقمة العيش.
ويأتي الاهتمام بهذا التقاعد الاستثنائي الذي لا يعد استثناء في الحالة المغربية لأسباب متعددة، على رأسها: هل يستحق هذا التقاعد؟ ثم: هل التقاعد يتناسب والدخل القومي للبلاد في حالة مقارنتها مع دول أخرى مثل الأوروبية؟ هل يوجد قانون خاص لهذا التقاعد؟ ومما يعطي للموضوع طابع الإثارة هو تصريحات رئيس الحكومة الذي يقول بأنه لا يملك شيئا.
مقارنة مع مختلف الدول، يستحق رئيس الحكومة تقاعدا قد يكون كاملا أو تكميليا للعيش في ظروف كريمة، فهو كان المسؤول الثاني (نظريا) في الدولة المغربية. وبعض دول العالم تضمن تقاعدا للرئيس أو رئيس الحكومة وأخرى لا تضمن أي تقاعد لرئيس الحكومة أو الوزراء مدى الحياة. ولا أحد سيطلب منه العيش مثل رئيس الأورغواي موخيكا الذي زهد في الدنيا، سيكون صعب على “مسلم” مثل ابن كيران تقليد “مسيحي” في الزهد، ههههههههههههه.
ولنترك ما يفترض أنه حملة ضد حزب العدالة والتنمية وكأن هذا الحزب فتح ملفات الفساد على مصرعيها وقدم المتورطين الى العدالة وأرسى حقوق الإنسان مثل فلندا، أو أكمل وحدة البلاد عبر تحرير سبتة ومليلية واستعادة لكويرة، أو رفع من مستوى معيشة المغاربة جعل أبناءهم لا يفكرون في الهجرة والموت بحرا مما جعله عرضة للهجوم من قوى مضادة للديمقراطية. لنترك كل هذا ونبسط موضوع تقاعد ابن يكران، الذي لا يعتبر الأول ولا الأخير في الاستفادة منه، بل من أركان الدولة المغربية الريع بامتياز.
في المحيط الجغرافي للمغرب توجد فرنسا واسبانيا التي ينقل المغرب قوانينهما ويكيفها أحيانا وفي بعض الأحيان بدون تكييف. لا يضمن القانون الفرنسي أي تقاعد مدى الحياة للوزير الأول باستثناء تعويضات أولية وسائق وكاتبة خاصة أم الوزراء فلا يتعدى التعويض ثلاثة أشهر من العمل على أن لا يتجاوز 30 ألف يورو ودون أي تعويضات مستقبلا. بينما يضمن القانون في اسبانيا لرئيس الحكومة مرتبا أكثر منه تقاعدا يصل الى حوالي 6500 يورو، بينما تقاعد الوزراء لا يمكن أن يتجاوز 2700 يورو في أحسن الأحوال شريطة أن يكون الوزير قد ساهم في تأدية واجبات الضمان الاجتماعي لمدة سبع سنوات على الأقل.
في الوقت ذاته، لا يتناسب تعويض رئيس الحكومة المغربية والإنتاج القومي للبلاد. وهكذا، نجد القانون المغربي الاستثنائي يضمن لرئيس الحكومة تقاعدا أكثر من رؤساء حكومات الدول المتقدمة مثل فرنسا واسبانيا التي لها إنتاج قومي يعادل 14 مرة في حالة اسبانيا وأكثر من 23 مرة في حالة فرنسا. كما يضمن تقاعدا وتعويضات أكثر بكثير من دول الجوار مثل الجزائر وتونس وموريطانيا.
وإذا كانت الدول المسؤولة تضمن لرئيس الحكومة والوزراء الحد الأدنى من العيش، فهي لا تفرط في المواطن، إذ تضمن تقاعدا للذين لم يعملوا نهائيا، كما تضمن معاشات/تقاعد كريمة للأرامل. ولا يتعدى تقاعد رئيس الحكومة في اسبانيا 12 مرة معاش أرملة، علما أن الأدوية والتطبيب مضمونة في اسبانيا علاوة على المساعدات الاجتماعية الأخرى، مما يجعل حقيقة التقاعد يرتفع بقرابة 30%، وهذا يعني أن المقارنة تقل الى 9 مرة فقط.
وإذا كانت معاشات بعض الأرامل في المغرب لا تتجاوز 250 درهم شهريا، فهذا يعني أن رئيس الحكومة المغربية السابق لديه معاش يضاعف تقاعد أو معاشات الأرامل في المغرب 360 مرة.
هذا المعطى كافي لطرح تساؤلات عريضة: من رخص أو من قبل بمثل معاش ابن كيران هل اعتمد الشرائع السماوية والقيم الإنسانية في اتخاذ القرار؟ هل دولة تحترم نفسها وتتمتع بضمير وطني حقيقي يمكن أن تقدم وتصادق على مثل هذه القرارات التي تجعل معاش شخص واحد 360 مرة أكثر من معاش أرملة.
إن مثل هذه المعاشات ليست خيانة للدولة، لأن الدولة التي تصدر مثل هذه القرارات لا ضمير لها، بل خيانة للشعب المغربي. أتمنى من الذين يصدرون مثل هذه القرارات والذين يستفيدون عندما يرون وجوههم في المرآة كل صباح يتساءلون: أي شريعة سماوية أو وضعية تمسح لإنسان واحد بالاستفادة من تعويض 360 مرة أكثر من مواطن آخر وقد يتجاوز الألف في حالات آخرين؟