تشهد فرنسا انتفاضة شعبية “السترات الصفراء” ضد توغل المؤسسات المالية في التحكم في مصير شعب هذا البلد الأوروبي، وتهدد بالانتقال الى دول أخرى كما تشكل درسا لأخرى ومنها المغرب.
واعتبر الفرنسيون مجيئ إيمانويل ماكرون الى رئاسة البلاد بمثابة قطع من حقبة تحكم اليمين واليسار في السياسة العامة لفرنسا بما يرتبط من تناوب على المناصب والامتيازات. لكنه بدأ يتبين لاحقا رهان الرئيس الجديد على تطبيق سياسة نيوليبرالية تخدم مصالح النخبة السياسية المسيطرة وطبقة الأغنياء.
وكرد فعل ومنذ أسابيع، تهب شرائح واسعة من الشعب الفرنسي للدفاع عن حقوقها متجاوزة الأحزاب السياسية الكلاسيكية، وانتظمت في حركة “السترات الصفراء” التي تنظم تظاهرات واعتصامات في مختلف مناطق البلاد وبالتركيز على العاصمة باريس. وترتب عن هذه الانتفاضة تراجع الدولة الفرنسية على ضريبة المحروقات التي كانت سببا في شرارتها.
ووفق المؤشرات الأولية، تعتبر السترات الصفراء منعطفا في نضالات المجتمع الفرنسي، فقد انتفضت في وقت بدأ مستوى العيش لمعظم شرائح البلاد في التدهور، وبدأ معظم الفرنسيين يجدون صعوبة في مسايرة إيقاع ارتفاع الأسعار.
لقد كانت الدولة الفرنسية في مستوى المسؤولية عندما قررت التراجع عن الضرائب، وقالت بأن لا شيء يستحق تعريض أمن واستقرار البلاد للخطر. ولم تنخرط في سياسة التخوين ولا سياسة الاعتقالات الواسعة وإصدار أحكام بعشرات السنين بل أصدرت أحكاما بعدة شهور في حق متظاهرين خرقوا القوانين بمن فيهم من ارتكبوا جناية حرق منشآت مثل مركز للشرطة.
وتشير المعطيات الى استمرار ظاهرة “السترات الصفراء” في النضال من أجل تحقيق المكتسبات التي فقدها الشعب الفرنسي جراء هيمنة طبقة سياسية-مالية على مصير البلاد. وبدأت هذه الشرارة الاجتماعية الحقة بالانتقال الى دول أوروبية أخرى.
ولا يمكن سوى الإشادة بهذه الانتفاضة الشعبية التي تعيد للنضال الاجتماعي-السياسي مفهومه الصادق والحقيقي في مواجهة توغل المؤسسات المالية وتجمها في مصير الشعوب.
وما يجري في فرنسا يجب أن يشكل درسا للكثير من الدول ومن ضمنها المغرب، حيث جعل الكثير من النافذين باريس مكتهم السياسية والثقافية والاقتصادية.
لقد تعاملت الدولة الفرنسية بتفهم كبير في مواجهة مطالب اجتماعية وجعلت الضمير الوطني يطغى على المفهوم الأمني الضيق، عكس الدولة المغربية التي شنت اعتقالات واسعة وإصدار أحكام كبيرة وصلت الى عشرين سنة ونهج سياسة التخوين في حق نشطاء اجتماعيين طالبوا بفرض عمل ومستشفى وجامعة، كما حدث في الريف وجرادة.
لقد تحركت الدولة الفرنسية للرد سريعا على مطالب يوجد حولها اختلاف وهي الضرائب، بينما الدولة المغربية تفرض ضرائب دون استشارة أحد، وتفرض استثمارات تزيد من المديونية بل وتصمت في ملفات الفساد مثل أراضي خدام الدولة والأراضي الغامضة لعائلة خازن المملكة نور الدين بنسودة.
وختاما، نحيي انتفاضة السترات الصفراء ونتمنى لها الانتقال الى دول أوروبية وغير أوروبية “آمين يا رب العالمين” لتقليم أظافر نافذين في بعض الدول سواء الديمقراطية أو غير الديمقراطية الذين جعلوا من شعوبهم “سبايا” للمؤسسات المالية الدولية.