سيعلن البرلمان الأوروبي عن الفائز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر في نسختها لسنة 2018 يوم الخميس من الأسبوع الجاري. ويعتبر ناصر الزفزافي أحد أبرز وجوه الحراك الاجتماعي في الريف بالمغرب من المرشحين الثلاثة. وقد يشكل فوزه شحنة قوية لحقوق الإنسان في المغرب وتنبيها للدولة للأخطاء الفادحة التي ترتكبها في حقوق الإنسان والتي قد تؤدي في يوم من الأيام الى أزمة مع المنتظم الدولي على شاكلة مع يحدث مع العربية السعودية حاليا.
لقد اجتاز ترشيح ناصر الزفزافي مرحلتين، الأولى والمكونة من عشرات المرشحين والثانية المكونة من ثمانية، ووصل المرحلة النهائية، حيث يتبارى على الجائزة رفقة إثنين آخرين، ائتلاف للجمعيات غير الحكومية التي تنقذ ضحايا الهجرة السرية في البحر الأبيض المتوسط، والسينمائي الأوكراني أوليف سينتسوف.
وتحاول الدولة المغربية عبر الصحافة المتعاطفة معها التشكيك في هذه الجائزة واعتبارها بمثابة خيانة للوطن في حالة منحها للزفزافي. لكن موقف الدولة لا مصداقية له بحكم أن المغرب هو جزء من المنتظم الدولي وتجمعه علاقات متينة بالاتحاد الأوروبي سياسيا وثقافيا واقتصاديا. ويوجد المغرب في مختلف الهيئات الدولية، كما تشارك جمعيات مغربية في مختلف المنتديات المدنية الدولية. فنحن في القرن الواحد والعشرين والعالم يتقدم نحو تفاعل أكبر بين مكوناته سواء الحكومية أو المدنية.
وعليه، لا يمكن للدولة المغربية أن تكون انتقائية في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي. من جهة، تقبل المساعدات المالية الأوروبية بما فيها تلك المخصصة لمحاربة الفساد وإصلاح القضاء، وهو اعتراف بوجود صريح بالفساد وخلل في منظومة القضاء. ومن جهة أخرى، ترفض جائزة تصدر عن أهم مؤسسة في الاتحاد الأوروبي وهي البرلمان الذي يمثل سيادة الأوروبيين. وبالتالي نحن أمام مفارقة عجيبة: نعم للمال ولا لقيم التضامن.
إن خطاب التخوين هو سلاح الجبناء ويوظف للتغطية على الفساد واختلاس ممتلكات الشعب. ولنعود الى الماضي، كان الملك الراحل الحسن الثاني يتهم بالخيانة كل من تحدث عن المعتقل الرهيب تازمامرت، وبعد ضغط أوروبي ودولي اعترف بوجود هذا المعتقل، واكتشفت العالم سجنا رهيبا مثل سجون العصور الوسطى بل وأسوأ.
وهناك أسباب منطقية تجعل كل مدافع عن قيم حقوق الإنسان يتطلع الى حصول الزفزافي على جائزة ساخاروف رغم بعض منزلقات تصريحات الأخير إبان الحراك، كما يتطلع الى حصول حميد المهداوي على جائزة الشجاعة من طرف مراسلون بلا حدود التي جرى ترشيحه لها، كما يتطلع الى محاكمة عادلة للزميل توفيق بوعشرين في المحاكمة الغريبة التي يتعرض لها.
وسيكون فوز الزفزافي بالجائزة تكريما لتاريخ نضالات الشعب المغربي من خلال تكريم الحراك الاجتماعي في الريف، وهو تكريم لنضال دام شهورا طويلة ولم يشهد أي حالات عنف من طرف المحتجين، وهذا شيء جديد يدل على الوعي بأهمية النضال السلمي.
ويعود السبب الثاني الى ضرورة انفتاح الجائزة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط وأساسا منطقة المغرب العربي-الأمازيغي، فهذه الجائزة ستعزز من روابط القيم بين شعوب المغرب العربي والأوروبية. وعمليا، لا يعقل أن اللجن التي تختار الفائزين تصوت على مرشحين من مناطق جغرافية بعيدة وتتجاهل لأسباب سياسية ضيقة وبضغط من حكومات مثل باريس ومدريد نضالات شعوب تقع على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.
في الوقت ذاته، سيكون لفوز الزفزافي رسالة تحمل نصائح الى الدولة المغربية بضرورة التخلي عن استراتيجية التشبث بفكرة المؤامرة في معالجتها للقضايا الاجتماعية وتغليب العنف المؤسساتي في التعاطي مع المشاكل الاجتماعية. فقد أخطأت الدولة المغربية في محاولة إلباس الحراك الاجتماعي في الريف تهمة الانفصال بدل الاستجابة للمطالب العادية وهي بناء مستشفى وجامعة وإيجاد فرص الشغل في الريف والتحقيق في الفساد المؤسساتي مثل جريمة أراضي خدام الدولة التي تعد استعمارا حقيقيا جديدا يعاني منه الشعب. نحن في القرن الواحد والعشرين ويحكم على الناس بعشرين سنة سجنا بسبب مطالب اجتماعية، كما حدث في الريف.
لم تدرك الدولة المغربية أنها بهذه المعالجة العنيفة خلقت شعور الغضب عند الاثنية الريفية، ومن نتائج هذه المعالجة ارتفاع الهجرة السرية هربا من المحاكمات وما تخلفه هذه الهجرة من غرقى في البحر. كما دفعت بآلاف الشباب المغاربة بالتقدم بطلب اللجوء السياسي في مختلف الدول الأوروبية، وهي ظاهرة جديدة. ونتساءل: هل يعقل اعتقال أكثر من 800 شاب من منطقة الريف وخاصة الحسيمة ومنهم الزفزافي بسبب مطالب اجتماعية بسيطة؟
نعم تراجعت الحريات في المغرب، وعلاوة على اعتقالات الريف وجردة ومناطق أخرى، بدأ المغرب يشهد محاكمات بتهم غريبة مثل حالة الصحفي حميد المهداوي مؤسس الجريدة الرقمية بديل. هذا الأخير تم الحكم عليه بثلاث سنوات سجنا بتهمة خيالية وهي عدم التبليغ عن مكالمة تلقاها من شخص مجهول يدعي فيها إرسال دبابات روسية الى شمال الريف عبر اسبانيا لاستعمالها في الحراك الاجتماعي في الريف. هل سمعتم بشخص يشتري دبابات من روسيا ويمر بها عبر أوروبا نحو المغرب بدون مراقبة. هل أصبحت الدبابات سهلة الاقتناء في السوق الدولية مثل علب حلوى ويخفيها الإنسان في جيب بنطلونه لنقلها الى المغرب؟
ويضاف إليها حالة توفيق بوعشرين، مؤسسة جريدة أخبار اليوم، الذي تميز بمقالاته الجريئة، ووجد نفسه متهما بالاتجار بالبشر وبدون أن يوفر له القضاء محاكمة عادلة. الأمثلة كثيرة عن الخروقات، ولهذا ترسم الجمعيات الحقوقية الدولية مثل هيومن ريت ووتش وأمنستي أنترناشينال أو مراسلون بلا حدود والمغربية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صورة مقلقة للغاية عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب.
لقد اعترف النظام المغربي وعلى لسان الملك محمد السادس بفشل التنمية في المغرب وبسوء الأوضاع الاجتماعية ومنها سوء توزيع الثروة وارتفاع الفساد. وجاء الوقت لكي يعترف مجددا بتراجع حقوق الإنسان والحريات في هذا البلد، بعدما كان قد اعترف بذلك سنة 2005، ويتخذ الإجراءات المناسبة لخلق أجواء بعيدة عن الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
منح جائزة ساخاروف لحرية الفكر للزفزافي كرمز لنضال الريف لن يشكل تهديدا للعلاقات المغربية-الأوروبية بل إضفاء طابع الصراحة عليها عبر تنبيه المغرب الى ضرورة مراجعة سياسته الأمنية والتخلي عن سيناريوهات المؤامرة في معالجة القضايا الاجتماعية مثل إلباس الريف تهمة الانفصال. وتنبيهه كذلك الى أن العدو الأول للوطن هو محاربة الفساد الكامن في دواليب الدولة المغربية، هذا الفساد الذي من نتائجه المباشرة الهجرة السرية وما تخلفه من مآسي مثل موت شباب غرقا في مياه البحر المتوسط.