لماذا لا تستطيع السعودية قطع النفط عن الغرب وإذا نفذت ستتعرض آبارها للاحتلال/د. حسين مجدوبي

حقل نفطي

تعيش المملكة العربية السعودية أصعب أزمة في مواجهة المنتظم الدولي وبانعكاسات داخلية كبيرة بسبب تطورات ملف القتل المفترض للصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول منذ أسبوعين، وإضافة إلى معالجة الموضوع من مختلف الزوايا، هناك واحدة حتى الآن لم تأخذ المساحة الكافية من التحليل وهي: هل للعربية السعودية قوة الرد على تهديدات الغرب بفرض عقوبات قوية ضدها؟ وكيف سيكون رد الغرب؟
فقد أرسلت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تنبيهات قوية إلى النظام الحاكم في العربية السعودية مفادها: إذا ثبتت جريمة مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول فلن تمر مر الكرام. ويثير موقف الغرب الكثير من التساؤلات، هل هو جاد في الدفاع عن حقوق الإنسان، نظرا لارتكاب النظام السعودي جرائم متعددة؟ أم يرمي إلى تحقيق أهداف سياسية في السعودية؟
وعمليا، الأجوبة متعددة، لقد صمت الغرب على جرائم بشعة ارتكبها النظام السعودي فوق أراضيه وفي حق مواطنيه، نظام لم يتعامل بحلم مع أبسط منتقديه، وتصرف بوحشية خارقا القوانين الوضعية والشرائع السماوية، لكن هذه المرة يتعلق الأمر بجريمة وقعت أمام أعين المنتظم الدولي، وفي دولة ثالثة ووسط تمثيلية دبلوماسية وبطريقة بشعة، وأصبح الرأي العام الدولي ولاسيما الغربي يطالب بالقصاص. والرد الغربي الحازم حقق نتيجة أساسية حتى الآن وهي: بهدلة ولي العهد محمد بن سلمان أمام مواطنيه والعالم، حيث أصبح الجميع يرى فيه مجرما وليس سياسيا سيتولى عرش دولة مهمة بفضل مخزونها من النفط، ووجود أماكن العبادة لأكثر من مليار مسلم، ثم إيصال رسالة واضحة إليه وإلى محيطه بوجود حدود في استعمال العنف في معالجة القضايا السياسية.
في معالجة هذا الملف في الزاوية نفسها، كتبنا مقالا بعنوان «خاشقجي: جريمة تحت الأضواء الكاشفة بانعكاسات استراتيجية» تطرق الى الانعكاسات وأبرزها تحول جريمة اختطاف خاشقجي إلى سيف دومقليس للغرب على رأس العربية السعودية. وبالفعل بدأ يتحول الى سيف بتار، فقد صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طيلة الأيام الماضية تهديدات بالرد الحازم في حالة التأكيد الرسمي لتورط السعودية في الجريمة. ولم تتأخر الدول الأوروبية الكبرى وهي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن ركب التهديدات، قد أصدرت بيانا يوم الأحد الماضي حادا في مضمونه ولبقا في شكله، تطالب فيه بالحقيقة الكاملة لوقائع الجريمة ومتوعدة بإجراءات. واستبقت بريطانيا نوعية العقوبات بإعلانها إعداد لائحة بأسماء مسؤولين سعوديين ستشملهم العقوبات، وستضم بدون شك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في حالة تأكيد التورط الرسمي في الجريمة. وتجد المملكة العربية السعودية نفسها أمام مأزق رئيسي، فقد تحولت في ظرف أيام معدودة الى دولة مارقة في أعين الرأي العام العالمي، ومعرضة لعقوبات قوية من طرف الدول الغربية. والأخطر هو نوعية الأسباب، لا يتعلق الأمر بطموح سعودي بتحقيق مشروع نووي مثل إيران أو كوريا الشمالية، يعطي للبلاد مكانة وسط الأمم، بل بسبب جريمة بشعة وهي مقتل صحافي سلاحه الوحيد هو القلم وتحرير مقالات لا تعارض النظام الملكي بقدر ما توجهه وتنصحه.
وفي مواجهة الضغط الدولي، صدرت عن العربية السعودية بعض التهديدات بالرد القوي، على كل إجراء يستهدفها مثل العقوبات، والتلويح بتغيير المعسكر الغربي بالرهان على روسيا والصين، ومنها منح موسكو قاعدة عسكرية حسب ما جاء في مقال لمدير قناة «العربية» تركي الدخيل أحد مستشاري محمد بن سلمان في الإعلام، علاوة على قطع النفط، كما فعل الملك فيصل بعد حرب 1973. ونتساءل: هل السعودية قادرة على قطع إمدادات النفط لاسيما على الغرب؟ لقد سبق للرياض اتخاذ هذا القرار بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول سنة 1973، وجاء لسبب مصيري للأمة العربية والإسلامية، هو معاقبة الغرب على مواقفه الداعمة لإسرائيل، ويختلف الأمر هذ المرة، لا يتعلق بملف سياسي، بل ببلطجة نظام نفذ عملية اغتيال مرعبة. والتساؤل: هل تستطيع السعودية تطبيق حظر على صادرات نفطها؟ ولنفترض أنها قامت بتنفيذ الوعيد، كيف سيكون رد المنتظم الدولي وأساسا الغرب؟
*أولا، لا يمكن للدولة السعودية قطع النفط، وهو يشكل العمود الفقري من عائداتها المالية، بسبب اعتماد الاقتصاد الوطني على تصدير الطاقة، فهذا سيترجم بأزمة خانقة داخليا قد تؤدي إلى انتفاضة اجتماعية. في الوقت ذاته، قد يؤثر قطع السعودية النفط عالميا على ارتفاع الأسعار، لكن باقي دول العالم ستعوضها بسرعة لا تتعدى الشهرين لاسيما بعدما فقدت السعودية المركز الأول في إنتاج البترول عالميا، واصبحت الثالث بعد روسيا والولايات المتحدة، وإن كان الفارق ضعيف.
*ثانيا، لا تمتلك السعودية في الوقت الراهن طبقة إنتلجنسيا قادرة على صياغة سيناريو مماثل، فقد أقبر ولي العهد محمد بن سلمان كل السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين المخضرمين، وعوضهم بطبقة من المساعدين يعملون وفق منطق «الشيخ والمريد»، أي الانصياع الأعمى لطموحاته، وقد كتب تركي الدخيل مقالا يتوعد الغرب، وما هي إلا ساعات حتى جرى التراجع عنه.
*ثالثا، لا تمتلك السعودية القوة العسكرية لتنفيذ القرار، وهي التي تدين في دفاعها للولايات المتحدة وبريطانيا. وسيكون الرد الغربي قاسيا قد يترجم بحصار على الصادرات النفطية، وتجميد الأموال، وقد يتطور إلى الأسوأ، وهو احتلال منابع النفط. ويرى الغرب في السعودية صنيعته، فتاريخيا هو الذي ساعد على اكتساب آل سعود كيانا سياسيا وترابيا خاصا بهم، بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية، وهو الذي طور استغلال النفط وبنى معظم المرافق الحيوية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تهديد الغرب بالارتماء في أحضان الصين وروسيا ستكون له عواقب وخيمة منها زوال آل سعود.
*رابعا، لا تستطيع العربية السعودية تحريك تعاطف العالم العربي والإسلامي، لأنه يرى فيها مصدر الكثير من الشرور، ويكفي دورها في تمويل الثورة المضادة للربيع العربي، وسوء تعاملها مع الجاليات العربية والمسلمة الموجودة في الأراضي السعودية.
*خامسا، لا تستطيع السعودية بين ليلة وضحاها تغيير البوصلة من الغرب إلى الشرق، روسيا والصين، لن تقبل بكين وموسكو بها حليفا جديدا تفاديا لأزمة عالمية خطيرة.
في غضون ذلك، لقد اكتشفت السعودية مع قضية خاشقجي أنها كانت تعتمد على وزنها الاستراتيجي، فتحولت إلى دولة مارقة محاصرة من كل جانب، إنه وهم الحكام العرب بعظمة لا توجد سوى في مخيلتهم حتى يصطدمون بالحائط.

Sign In

Reset Your Password