تدويل حقوق الإنسان في المغرب الزفزافي بستراسبورغ وبوعشرين في جنيف

ناصر الزفزافي في تظاهرة قبل اعتقاله/رويترز
وصل ناصر الزفزافي إلى مرحلة التباري النهائية على جائزة سخاروف لحرية الفكر التى يكرم بها البرلمان الأوروبي سنويا شخصيات أو مؤسسات برهنت عن عمل مستميت من أجل حقوق الإنسان أو مقاومة فعالة ومحفوفة بالمخاطر للدفاع عن حرية الفكر والتعبير.

لقد حصلت على هذه الجائزة الدولية، شخصيات مرموقة أو مناضلون عانوا الأمرين من أجل الدفاع عن حريتهم أو حريات الغير. ويمكن أن نذكر من بين هؤلاء الزعيم الجنوب ـ إفريقي نيلسون مانديلا الذي قضى سبعا وعشرين سنة بسجون الأبارتهايد العنصري البائد وخرج منها ليقود بلاده نحو الديمقراطية والمصالحة الحقيقيتين. كما حصل عليها الكاتب الفلسطيني عزت غزاوي الذي عانى الويلات بسبب الدفاع عن حقوق وحرية شعبه ضد الاحتلال الإسرائيلي كما خبر عدة مرات معتقلاته الرهيبة إذ توفي سنتين بعد تتويجه بالجائزة، وهو لا يتجاوز الخمسين من عمره. في أحيان عديدة تمنح إذن هاته الجائزة لمن تجرع العذاب والمهانة من طرف نظام ظالم ولكن رفض الصمت أو التراجع والخنوع رغم كل شيء، وهذه هي حالة الشخصيتين المذكورتين سابقا وهي تتقاطع في بعض مظاهرها مع حالة ناصر الزفزافي الذي اعتقل وعذب وأهين أشد الإهانة ومع ذلك صمد وتابع قول الحق والحقيقة بما في ذلك أمام المحكمة المكونة من خصومه وخصوم الحرية.
لقد ازدادت شعبية الزفزافي بالمغرب كما زاد التعاطف معه في العالم وخصوصا بأوروبا ـ حيث يعيش ملايين المغاربة ومنهم مئات الآلاف من أهل الريف ـ منذ شهادته أمام القاضي بأنه تعرض لاعتداء جنسي من طرف معتقليه يوم اعتقاله وكان ذلك في الثالث من شهر الصيام من السنة الماضية. وكان من نتائج انتشار هذا الخبر الأليم أن أصبح يُنظر للزفزافي كشهيد حي للحراك. فتحركت شخصيات سياسية أوروبية، وبعضها من أصل مغربي، وبعضها على علاقة بلجان دعم الحراك الريفي بهولندا وبلجيكا وفرنسا لإقناع ثلة من المنتخبين الأوروبيين الديمقراطيين بتكريم الزعيم المعارض الريفي. وهكذا بادر فريق يجمع اليسار والخضر داخل البرلمان الأوروبي لترشيح الزفزافي لجائزة سخاروف.

قد قُدم هذا الترشيح كموقف سياسي من النظام المغربي حيث قالت النائبة الأوروبية ماري كريستين فيرجيا خلال دفاعها عن استحقاق المرشح المغربي: إنه بتعييننا لناصر الزفزافي كمرشح «نريد التعبير عن تضامننا مع الشعب المغربي الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والكرامة». وكما هو واضح فالجملة الأخيرة تشبه إلى حد بعيد أحد شعارات الربيع المغربي الأكثر شيوعا. كما صرحت كاتي بيري وهي إحدى المبادِرات الثلاث الأوليات في برلمان ستراسبورغ لترشيح زعيم الحراك للجائزة: بهذا الترشيح يعبر الاتحاد الأوروبي «عن دعمه للمظاهرات السلمية ومطالبها… كما أن هذا التعيين (للزفزافي) إشارة قوية للحكم المغربي أن أوروبا عادلة مع الأشخاص الذين يدافعون عن حقوقهم الأساسية وأننا سنتابع عملنا حتى يطلق سراح كل المعتقلين السياسيين للحراك». إن مثل هذه المواقف تنم عن تدويل تدريجي ولكن حقيقي لحراك الريف وقضية معتقليه.
أما قضية الصحافي توفيق بوعشرين فقد وصلت كذلك مرحلة تدويل جديدة. فهي في طريقها لتُسجل رسميا في جدول أعمال الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي التابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف وأول المهام التي يضطلع بها الفريق هي «التحقيق في حالات الحرمان من الحرية المفروض تعسفاً أو بأية طريقة أخرى تتنافى مع المعايير الدولية ذات الصلة والمبيَّنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو في الصكوك القانونية الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية». كما أن الفريق يقوم بتوجيه نداءات رسمية مستعجلة للحكومات المعنية بحالات الاعتقال التعسفي طالبا منها توضيح القضية المعروضة عليه. بل أن الفريق قد يقوم بزيارة ميدانية للمغرب للوقوف في عين المكان على تفاصيل قضية بوعشرين وظروف اعتقاله في حالة ما إذا قبلت الرباط بذلك.
والآن يحق لنا أن نتساءل لماذا وصل المغرب إلى أعتاب هذه الورطة الحقوقية والديبلوماسية الجديدة؟ إن المغرب قد وصل إلى هكذا تدويل لأن القضاء المسيس قد رفض تناول شكوى الصحافي بوعشرين التي سجلها ضد النيابة العامة التي تعتقله تحكميا ولا قانونيا منذ ما يقارب الثمانية أشهر. ما أثار استغراب الرأي العام هو أن النيابة العامة كانت قد أحالته على المحكمة، مدعية أولا أن ملفه جاهز ورافضة ثانيا عرضه على قاضي التحقيق لأن هذا الأخير مضطر قانونيا أن يقدم له كل الوسائل للدفاع عن نفسه بما في ذلك مواجهته مع المشتكيات أو من يلعبن دور المشتكيات. أما شهادة الزفزافي أمام المحكمة حول تعذيبه وإلحاق الضرر بشكل كبير بكرامته فلم تثر أي رد فعل من النيابة العامة التي كان عليها أن تبادر، تطبيقا للقانون، إلى فتح تحقيق عاجل مع من يتهمهم زعيم الحراك بضربه والاعتداء عليه جنسيا.
ومادام هذا هو حال عدالتنا، فلا غرابة أن تُدوّل القضيتان لتفقد البلاد للأسف ما تبقى لها من مصداقية وليظفر ناصر وتوفيق بقليل من تضامن الإنسانية سيساعدهما ولا شك على تضميد بعض من جراحهما.

Sign In

Reset Your Password