“لقد جف حبر التمني..فليكتب القدر ما يشاء”، هي الكلمات التي توجد في صفحة حياة بلقاسم شهيدة الهجرة السرية التي توفيت متأثرة بالرصاص التي تعرضت له من طرف البحرية الملكية يوم الثلاثاء 25 سبتمبر 2018. عملية تطرح تساؤلات هل كانت الحل الوحيد لإيقا زورق الهاربين من جحيم الظلم الاجتماعي في المغرب.
يخلف مقتل الطالبة حياة بلقاسم التي هجرت مقعدها في جامعة عبد المالك السعدي في تطوان وفضلت الهجرة الى أوروبا للمغامرة بحياتها بعدما تأكدت من غياب مستقبل في بلد كانت حتى الأمس القريب يردد مسؤولوه أنه سيكون دولة صاعدة، وكان الصعود في سلم الفقر والتهميش والهشاشة والمديونية.
لقد هرب الزورق المحمل بالمهاجرين ومنهم الضحية حياة من مياه سبتة المحتلة بعدما اعترضه الحرس المدني، ودخل المياه المغربية. ولا أحد يجادل دور البحرية الملكية في حماية الحدود. بالفعل، لم ينصاع ربان الزورق للتوجيهات التحذيرية التي صدرت قد الدورية المغربية، ولكن هل كان بالضرورة فتح النار على قارب تفيد المعطيات بأنه يحمل مهاجرين سريين.
فتح النار على القارب لا يستقيم لأسباب متعددة منها، وجود القارب في منطقة معروفة بنشاط قوارب الهجرة والمخدرات فهو لا يشكل أي خطر على الأمن القومي المغربي، وتمتلك الدورية أدوات الرصد البصري لكي تعرف طبيعة القارب، وكانت متأكدة من وجو مهاجرين عليه. وكان الأحرى بها اللجوء الى التصويب ضد محركات القارب أو التصويب ضد قاعدته السفلى لإفراغه من الريح، فهو قارب مطاطي، ونتحدث هنا عن عناصر بحرية يفترض فيها التصويب الدقيق.
في الوقت ذاته، كان بإمكان الدورية الملكية اللجوء الى معاكسة القارب والتسبب في انقلابه، وبالتالي اعتقال الربان وباقي المهاجرين، وهي التقنية التي تستعمل عموما ضد مهربي المخدرات.
قيام دورية بفتح النار على قارب للهجرة يحمل شباب هم ضحية الظلم الاجتماعي يخلف ردود فعل سلبية تنتقد تصرف الدورية، وكانت هناك مقارنات محرجة لمعلقين مع فتح النار في البحر وعدم فتحه في حالات أخرى مثل جزيرة ثورة والكركرات، وذلك لأن الأغلبية لم تتقبل استعمال النار لأول مرة من طرف الجيش ضد الهجرة السرية.
وهذه هي المرة الثانية التي تفتح فيها البحرية الملكية النار وتؤدي الى انعكاسات سلبية. فقد سبق وأن فتحت النار على قارب سنة 2013 على متنه شابين مغربين من مليلية، لم يكونا يمارسان الهجرة السرية ولا تهريب المخدرات، ذلك الحدث جعل أغلبية ساكنة مليلية تتظاهر ضد المغرب، وهو ما يحدث لأول مرة، وخسر المغرب الكثير من التعاطف.
ولم تعرب الدولة المغربية بكل مؤسساتها عن مشاعر الحزن، لم تصدر ولو بيانا يواسي العائلة ويواسي جزء هام من الرأي العام المغربي الذي لم يتقبل عملية إطلاق النار ووصفها بأوصاف سلبية للغاية. موقف الدولة غير المبالي بمشاعر العائلة وباقي المواطنين يؤكد الرؤية التحقيرية لنسبة كبيرة من المواطنين. إن الدولة في هذه الحالة افتقرت للحنين واللباقة.
فتح النار لا يجب أن يكون ضد الشباب الذي لم يعد يرى في الوطن سوى الجحيم، يجب تصويب الرصاص الى الفقر والظلم والفساد، وهو ما لا يحدث الآن في ظل هيمنة الفساد على مراكز الدولة.