اشتد ضغط الهجرة الى اسبانيا عبر المسار الغربي من شمال افريقيا من تونس والجزائر والمغرب إذ تضاعفت أعداد احباط محاولات الهجرة، والغرقى والعابرين إلى مستويات ما قبل سنة 2015، وقد ساهم في ذلك وعورة وخطورة باقي المسالك في الشرق عبر ليبيا ومصر وتركيا ومن الغرب الأفريقي.
وهذه الحركية الجديدة فرضت على الدول جنوب أوروبا اتباع سياسات متباينة، فايطاليا وبعد نحاح حزبي “خمس نجوم” و حزب “الرابطة” المناوئين للسياسة المتبعة في الهجرة في تكوين إئتلاف حكومي رفضت رفضا قاطعا استقبال باخرات المنطمات غير الحكومية التي تحمل على مثنها المهاجرين العالقين في عرض البحر، وأوصدت موانئها أمامها، كما تتلكأ عن اتيان واجب الانقاذ الانساني والقانوني طبقا لقواعد القانون الدولي للبحار، الذي يوجب على بحاريها وسفنها التدخل ومساعدة الغرقى و محتاجي المساعدة في ولوج أقرب مرفأ آمن، أما في اسبانيا فقد سمح رئيس الحكومة الاشتراكي الجديد بيدرو سانشيز لباخرة أكواريوس بدخول ميناء فالنسيا واستقبال حوالي ستمائة مهاجر.
وقد أدى عدم تنفيذ الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي للمبادئ الأصلية ( الإلتزام والمسؤولية والتضامن) التي تحكم وحدة سياسة أوروبا في ميدان الهجرة إلى بحثها عن الحلول البديلة، ونقل العبء إلى دول الجوار و احياء اتفاقيات التدبير التعاوني في ميدان الهجرة مع الدول المعنية حاليا في اطار الضغط الآني على المسار الأول في غرب المتوسط والمرشح لأن يتضاعف عدة مرات ويعمر طويلا.
ويدور العرض الأوروبي الجديد للدول شمال المتوسط الآمنة والمسقرة، وخاصة المغرب وتونس على التفاوض معها للقبول بابرام نوع من اتفاقيات “المناولة والمقاولة من الباطن” معها لاقامة منصات وقواعد ومراكز لاستقبال المهاجرين.
ورغم أن هذا العرض لازال أوروبيا محضا بين أعضائه بالأولوية لأن بحثه تم في آخر قمة أوروبية التي انعقدت في بروكسيل يومي 28و 29 يوليو الماضي قبل الانتقال الى بحث سبل وامكانيات تنفيذه مع المغرب وتونس. فان اشارات واعمال مادية متناقضة ومتقابلة مصدرها الجانبين تؤكده صحته، فرئيس مجلس أوروبا دونالد ترسك يؤيد ذلك ، بينما وزير الخارجية المغربي خرج بتصريح يرفض اقامة مراكز الاحتجاز وعدم قبول المغرب اختزال تدبير الهجرة على ذلك الشكل ، وفي تناقض مع هذا التصريح فقد تأكد أن السلطات المغربية سلمت لاسبانيا قائمة بالمعدات والتجهيزات التي يحتاجها لمراقبة حدوده تقدر ب60 مليون يور.
وقد أحالت الحكومة الاسبانية بدورها الطلب المغربي الى بروكسيل من أجل المداولة بشأنها باعتبارها الجهة المعنية بالتنفيذ تبعا لوحدة السياسة الأوروبية في ميدان الهجرة الذي اتخذته منذ اتفاقيتي تامبير ولهاي 1989 و 1990، وكان رد المفوضية الأوروبية فسريعا بواسطة رسالة مؤرخة في 31يوليوز من رئيسها السيد جون كلود حانكير عن قبول المفوضية بصرف المغرب وتونس مبلغ 55 مليون يورو، إلا أن صرف هذه النفقات سيتم في اطار مخطط الطوارئ مع الدول الأفريقية، كما اوضحت الرسالة أن المغرب استفاذ من 100 مليون يورو كمساعدات من المفوضية الأوروبية خلال العشر سنوات الماضية، ويأتي في المرتبة الثانية في شمال افريقيا بعد ليبيا. ومن جهتها فان تونس سمحت باستقبال باخرة عالقة وسط البحر في ميناء جرجس.
ورغم الرفض الذي يبديه حاليا كل المغرب وتونس في قبول منصات plates -formes للمهاجرين فوق اقليمهما، فمن المحتمل أن يستسلما للصغوط والاغراءات والوعود الأوروبية ككثلة تفاوضية موحدة وقوية، بينما دول جنوب المتوسط فرادى ومشتتة، لكل واحدة قصة، وواقع يجعلها تقبل بالعرض؛ فمنهم من يستجدي المال لاحتواء أزمة أو لتغطية حاجة كتونس، ومنها من يقبل به طمعا في غاية مزدوجة تجمع بين المال والموقف السياسي، كالمغرب، الذي عبر الناطق الرسمي للحكومة بعدم تقدير الاتحاد الأوروبي للمجهودات التي يقوم بها المغرب في ميدان تدبير الهجرة ومراقبتها.
وفي ذلك اشارة وتلميح واصح الى المواقف السياسية لأوروبا غير الواضحة في نزاع الصحراء، والتي عمق منها سوء تأويل القضاء الأوروبي للقانون الدولي وضرب صفح على حقوق المغرب التاريخية والقانونية، ومنهم من يعاند أوروبا كالجزائر وعينها محاولة ابتزاز أوروبا لتغليبها على جوارها وخاصة المغرب.
والأكيد من كل هذه المعادلة أن الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي تبحث عن حارس أمين، ومخلص، ووفي لحدودها الخارجية، وهي تؤدي الثمن الباهض لمن يحسن التفاوض من موقع القوة والندية كتركيا، وتدفع الفتات في اطار عقود الاذعان للدول جنوب المتوسط. والكل في غياب وتغييب لحقوق وحريات الفاعل الأساسي في معادلة الهجرة وهو شخص المهاجر، الذي هو الآن عرضة للبيع والمفاوضات وحددت قمة مجلس اوروبا بروكسيل ما بين 28 و 29 يوليو ثمنه مابين 5000 أو 6000 يورو كمساعدة للدول الأوروبية عن كل معاجر تقبل به.
فالأولوية في عرض المفوضية الأوروبية والذي لم يتم بلورته حتى الآن بشكل مفصل وواضح للدول اعضاء الاتحاد الأوروبي، وخلفياته محاولة تجاوز رفض سياسة الحصص المتساوية من طرف دول شمال أوروبا وتحاوز سياسة اغلاق المرافئ من طرف ايطاليا بذريعة عدم التزام باقي الدول اعضاء الاتحاد بمبدأ التساوي في الاستقبال « partage de l’accueil ، وتجاوز حركية وتنقل المهاجرين « mouvements secondaires »الذي ترفضه المانيا، وتجاوز سياسة فرنسا في تشبتها بقواعد قانون البحار في نقل المهاجرين الى أقرب ميناء آمن« port sûr le plus proche ».
ويبقى الترقب مسيطرا في ظل عدم جواب الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي على عرض المفوضية الأوروبية، والمعبر عنه في قمة مجلس الأوروبا المنعقدة أواخر يونيه ببروكسيل، كما أن عرض الأخيرة لازال قيد التدقيق والبلورة. وفي حالة عدم الجواب فخيارات وبدائل المفوضية الأوروبية سيتجه نحو دول جنوب المتوسط في اطار سياسة “تحويل الحدود” السابقة والتفاوض حول منصات اقامة المهاجرين خارج الاقليم الأوروبي في تونس والمغرب،والثمن يدفعه المهاجرون الذين تنتهك حقوقهم وحرياتهم بتواطئ بين دول المصدر والعبور والاستقبال وسكوت مفوضية غوث اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة .
صبري لحو، محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي الهجرة ونزاع الصحراء.