كشف جلسات محاكمة الشباب المعتقل في الحراك الشعبي في الريف في محكمة الدار البيضاء عن معطيات خطيرة للغاية تتعلق بعمليات مفترضة للتعذيب وصلت الى مستويات محاولة الاغتصاب، وهذا يتطلب تحقيقا من طرف لجنة مستقلة للوقوف على حقيقة الأمر لتفادي تراكم الأحقاد في هذا البلد.
وتوالت شهادات الشباب المعتقل في الحراك الشعبي في الريف وكلها تشير الى عمليات تعذيب مفترضة وعمليات اقتحامت للمنازل، وإن كانت شهادة أحد أبرز وجود الحراك ناصر الزفزافي هي الأكثر إثارة ومأساوية بعدما قال أمام قاضي الجلسة بأنه تعرض لعملية اغتصاب رمزية بإدخال أحد ضباط الشرطة إصبعه في دبره والتهديد باغتصاب أمه. في الوقت ذاته، قال الزفزافي باستعداده الإدلاء بشريط يبرز تعرض منزله والديه للعنف عندما جرى اقتحامه.
وتجمع الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية بل حتى الرسمية منها مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوقوع خروقات خطيرة في عمليات اعتقال واستنطاق شباب حراك الريف. وهناك اندهاش للطابع السياسي التي حاولت الدولة إضفاءه على الاحتجاج باتهام المتظاهرين بالانفصال، علما أن الجميع ينفي هذه التهمة ويؤكدون على المطالب الاجتماعية.
ويتضاعف الاندهاش أمام نفي المعتقلين وإصرار الدولة على إلصاق التهمة بهم، بينما تغمض عينيها أمام الانفصال الحقيقي الذي تعاني منه البلاد. القضاء المغربي يقف عاجزا وصامتا بشكل لا يشرفه ولا يمتلك الشجاعة لفتح ملفات الانفصال في الجنوب بالنسبة للذين يتلقون تدريبات من مختلف الأنواع في الجزائر ويعودون للمغرب كما نشرت الصحف في عدد من المناسبات. هذا ليس تحريضا لاعتقال أي أحد طالما لم يستعمل العنف، بل فقط لتبيان الطابع السياسي للقضاء المغربي وكيف يتم أحيانا توظيف القضاء بعيدا عن مبادئ الحق بل لخدمة أهداف سياسية. الدستور المغربي ينص على سواسية المواطنين أمام القضاء، وعليه: لماذا في ملف يحضر الاعتبار السياسي وفي آخر يحضر التعسف السياسي؟
لقد ارتكبت الدولة المغربية خطئين كبيرين في معالجة الريف، ويتجلى الأول في إصرارها على اعتقال أكبر نسبة من شباب مدينة متوسطة مثل الحسيمة، بشكل لم يحدث في تاريخ المغرب من قبل. بينما الخطئ الثاني هو اتهام شباب، طالب بالعيش في أجواء الكرامة، بالانفصال، علما أن أبائهم وأجدادهم كانوا منذ القرن الخامس عشر خير سد أمام الأطماع الأجنبية. والآن نحن أمام خطئ ثالث بدأ يتبلور وهو سكوتها عن عمليات التعذيب المفترضة التي جاءت في شهادات المعتقلين أمام المحكمة.
تصريحات المعتقلين تتطلب، وفق منطق الدولة المسؤولة عن إحقاق الحق والقانون واحترام كرامة مواطنيها، فتح تحقيق للوقوف على صحة هذه التصريحات من عدمها، واتخاذ الإجراءات المنصوص عليها قانونيا، ومنها معاقبة المسؤولين في حالة صحة هذه الاتهامات.
نعم، تاريخ الأمن والقضاء في المغرب منذ الاستقلال هو تاريخ الخروقات الفظيعة، وتحتفظ الذاكرة المغربية بذكريات مأساوية من دار بريشة الى تازمامارت ودرب مولاي الشريف وأمثلة أخرى، دولة بهذا التاريخ الحقوقي الأسود وتدعي الآن سعيها لتجاوز الماضي، يجب أن تكون حريصة على التحقيق في كل الخروقات ولاسيما إذا تعلق الأمر بشهادات جماعية لتعذيب مفترض لعشرات المعتقلين. فهل ستعلن الدولة عن لجنة تحقيق أم أنها….؟