يهدد المغرب بين الفنية والأخرى بالتخلي عن الاتحاد الأوروبي والرهان على أسواق جديدة في القارة الافريقية وروسيا والصين، لكن تطبيق التهديد يبقى مستحيلا في الوقت الراهن بحكم ما يشكله السوق الأوروبية للمغرب والارتباط الوثيق اقتصاد هذا البلد بنظيره الأوروبي. وعمليا، يتطلب الأمر عقدين من الزمن لهيكلة اقتصاد المغرب نحو وجهات أخرى بديلة، وقد لا ينجح في ذلك إلا نسبيا.
ويوجد خلاف بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول إدماج منتوجات الصحراء في الاتفاقيات الموقعة بين البلدين حول تصدير المنتوجات الزراعية وهي قليلة والمنتوجات البحرية من الصحراء الى أوروبا، ذلك أن قرارا صدر عن المحكمة الأوروبية خلال ديسمبر الماضي ينص على عدم استيراد منتوجات الصحراء تحت مبرر أنها ليست مغربية. وهناك دعوى أخرى ضد اتفاقية الصيد البحري.
وخلال الأسبوع الماضي هدد المغرب عبر وزير الزراعة عزيز أخنوش بالتخلي نهائيا عن الاتحاد الأوروبي إذا لم يتم ضم منتوجات الصحراء، كما جاءت تصريحات وزير الخارجية المؤقت صلاح الدين مزوار في هذا المنحنى، أي تأكيد بحث المغرب عن وجهات اقتصادية بديلة. ويتحدث المسؤولون المغاربة عن الصين وروسيا ودول الخليج والدول الإفريقية. وهذه الوجهات تتماشى مع التوجه الجديد للدلوماسية المغربية.
ومن خلال استقراء ألف بوست آراء أوروبية والوقوف على التجارب الأخرى التي كانت ترمي الى البحث عن بديل اقتصادي، يتأكد استحالة تخلي المغرب عن التبادل التجاري والتصدير نحو أوروبا على الأقل خلال العقدين المقبلين لأسباب متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية ولوجيستية.
في هذا الصدد، يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب بما يتجاوز 67% من المبادلات التجارية، وتشكل السوق الأوروبية الوجهة الرئيسية للمنتوجات الزراعية والبحرية والصناعة الخفية وكذلك النسيج.
ومن ضمن الأمثلة، تبلغ الصادرات الزراعية المغربية للاتحاد الأوروبي ما بين 82% الى 86% من مجموع ما يصدره المغرب زراعيا للخارج، وهي كميات هائلة تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد الزراعي المغربي.
وتأتي الوجهة الثانية هي روسيا التي تستقبل قرابة 13% من صادرات المغرب الزراعية، لكن هذه النسبة تبقى ظرفية للغاية بحكم أن روسيا تعرضت لعقوبات اقتصادية من طرف الاتحاد الأوروبي بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، وقامت بفرض عقوبات على الدول الأوروبية منها عدم استيراد منتوجات زراعية من اسبانيا وإيطاليا ودول أخرى. وبالتالي، المغرب عوض مؤقتا نسبة من صادرات هذه الدول للسوق الأوروبية. ورغم هذه الظرفية، عجز المصدرون المغاربة من الرفع من صادراتهم الزراعية الى روسيا بشكل ملحوظ بل أن روسيا بين الحين والآخر ترفض بعض المنتوجات بسبب سوء جودتها كما وقع مؤخرا وكذلك رفض السوق الأمريكية لمنتوجات مغربية. وإذا رفعت روسيا العقوبات، قد تتراجع صادرات المغرب الى ما تحت 10%.
في الوقت ذاته، يلوح المغرب بدول الخليج بديلا عن السوق الأوروبية، لكن الأرقام هزيلة للغاية، فهذه الدول بالكاد تستورد 2% من الصادرات الزراعية المغربية، فهي عادة ما تستورد من مصر والأردن والسودان وتحولت الى دول منتجة للزراعة بغية تحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
في الوقت ذاته، يلوح المغرب بورقة إفريقيا تماشيا مع سياسته الانفتاحية على القارة السمراء، لكن واردات الدول الإفريقية منعدمة من المنتوجات الزراعية المغربية . فعلاوة على البعد الجغرافي، معظم الدول الإفريقية تحاول إنتاج ما تحتاجه ولديها نمط من التغذية مختلف عن البحر الأبيض المتوسط. يضاف الى هذا القدرة الشرائية المحدودة للمواطن الإفريقي الذي من الصعب أن يضمن سوقا واعدة للمنتوج المغربي.
ومن جهة أخرى، يواجه المغرب مشكل اللوجستيك، فحتى الآن يعتمد في تصدير متوجاته على شبكات أوروبية أغلبها فرنسية واسبانية، وإذا كان المستثمر المغربي قد عجز عن إنشاء شبكة توزيع قوية نحو أوروبا، فكيف هو الحال مع دول بعيدة بل وإفريقيا أساسا التي لا تجمعه شبكة طرقية أو خطوط بحرية وجوية مكثفة.
واجتماعيا، يعتبر مزارعو دول جنوب أوروبا مثل اسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان تهديد المغرب بوقف صادراته للاتحاد الأوروبي خبرا مفرحا لأنهم ينادون بوقف الواردات منذ مدة، وهناك أحزاب يسارية وقومية صغيرة تدفع في هذا الاتجاه خاصة في حالة مزارعي اسبانيا وإيطاليا.
وعلاقة بالصيد البحري، لا تتجاوز السفن الأوروبية التي تصطاد في المياه المغربية 117 سفينة وفق اتفاقية الصيد الموقعة بين الطرفين، بينما أسطول الصيد الأوروبي يتجاوز 50 ألف سفينة صيد منها فقط في اسبانيا أكثر من تسعة آلاف، ويعتمد المغرب على السوق الأوروبية في صادراته لانعدام أسواق واعدة للسمك المغربي.
وعمليا، تهديد المغرب بالبحث عن وجهات بديلة للاقتصاد المغربي بدل الاتحاد الأوروبي يتطلب على الأقل عقدين من الزمن، ويجب أن يرافق هذا تحولا سياسيا حقيقيا في دبلوماسيته الخارجية بتكثيف العلاقات مع هذه دول الوجهات الجديدة وكذلك على مستوى الاستثمارات. ويبقى التحدي الحقيقي أنه من الصعب جدا الحصول على أسواق مستقرة اقتصاديا مثل السوق الأوروبية التي وفرت للمغرب وجه مستقرة منذ الاستقلال حتى الآن.
ورغم صدور تهديدات عن مسؤولين مغاربة، إلا أنه حتى الآن لا توجد أي خريطة طريق اقتصادية موقعة من طرف مغاربة أو معهد دولي للدراسات تبرهن فعالية التهديدات التجارية والاقتصادية المغربية.