أقدم ولي عهد العربية السعودية محمد ابن سلمان ما بين أمس الجمعة واليوم السبت على إطلاق مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال بعد احتجاز قارب الثلاثة أشهر في فندق ريتز كارلتون. وتعددت الأسباب التي تقف وراء عملية الافراج بدون محاكمة أي من المحتجزين، وهي أسباب عائلية ودولية.
واستقطب ملف اعتقال الأمراء ورجال الأعمال باهتمام كبير من وسائل الاعلام الدولية لأنه يجري في دولة ذات ثقل في الشرق الأوسط بسبب الحرمين الشريفين وكذلك دورها في البترول عالميا وفي بعض الملفات الاقليمية. وتركزت الأضواء أساسا على الأمير الوليد بن طلال لأنه الوجه السعودي البارز على المستوى الدولي نظرا لثروته التي تقدر بما يفوق 16 مليار دولار.
وتناسلت المقالات في الاعلام العربي والدولي حول حالة الوليد بين الحديث عن تعذيبه والاستيلاء على أمواله والتركيز على مقاومته للاتهامات التي وجهتها له الدولة السعودية. لكن أخبار التعذيب لم تكن صحيحة بينما رفضه لكل الاتهامات بالفساد كانت صحيحة، وقد صرح بذلك بنفسه في شريط الفيديو الذي صورته معه رويترز يومه السبت بقوله أن هناك مناقشات مع الحكومة وليس اتهامات.
وساهم تكاثف عدد من العوامل المالية والسياسية والعائلية والدولية في الافراج عن الأمراء وعلى رأسهم الوليد بن طلال، ومن أبرز هذه العوامل:
-أولا، رفض الأمراء ومنهم الوليد الاعتراف بالتورط في عمليات فساد أو غسل للأموال، وألحوا على رفض أي تسوية بالتنازل عن جزء من ثرواتهم للدولة السعودية. وفضل الأمراء وبعض رجال الأعمال الذهاب الى المحاكمة للدفاع عن برائتهم. وكان من شأن إحالة الأمراء على المحاكمة فتح ملفات جميع الأمراء بل وحتى الملوك السابقين الذين كانوا يستغلون عائدات النفط.
ثانيا، بدأ الكثير من الأمراء يتبرأون من تصرفات ولي العهد، ويعتبرون ما قام به من اعتقال أفراد عائلاتهم لا يمت للشرف العائلي بصلة، وانقسمت العائلة الملكية الى قسمين، لكن الأخطر ما في الأمر هو تواجد بعض الأحفاد في الخارج والتهديد بإنشاء تنظيم ملكي معارض لمحمد بن سلمان، لاسيما وأن السعودية دولة قائمة على الولاء للشخصيات وليس للمؤسسات التي تقريبا لا دور لها في هذا البلد.
الوليد بن طلال في فندق ريتز كارلون خلال احتجازه
ثالثا، تراجعت الرواية الرسمية للدولة السعودية في اتهامها للأمراء ورجال الأعمال بالفساد وحلت محلها رواية سياسية وهي رغبة ولي العهد محمد بن سلمان في إبعاد كل أحفاد مؤسس المملكة عبد العزيز من السباق على العرش مستقبلا وإعادة صياغة مفهوم ولي العهد، وكتب الأمير المغربي هشام بن عبد الله ابن عم ملك المغرب في جريدة القدس العربي أن ولي العهد يريد انتقالا عموديا للعرش وليس أفقيا، أي من الأب الى الابن الى الحفيد وليس الأشقاء وأبناء العمومة.
رابعا، في علاقة بهذا الموضوع، وجد ولي العهد نفسه في دائرة اتهامات بالفساد بعدما راجت أخبار عن اقتناءه أغلى يخت في العالم وأعلى منزل في العالم ويوجد في فرنسا وأعلى لوحة تشكيلية في العالم بما قيمته مليار و200 مليون دولار في وقت يدعو فيه الى التقشف. وأصبح الجميع يتساءل بما فيها صحيفة نيويورك تايمز: كيف يمكن لمبذر محاربة الفساد؟
خامسا، قام حكام عرب ورؤساء دول سابقون مثل الفرنسيين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولند بالتوسط لدى الرياض للإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم الوليد بن طلال. ورغب بعض الحكام العرب في استضافة بعض الأمراء. لكن يبقى المثير في الوساطة هو نزول عائلة رياض الصلح اللبنانية بثقلها في هذا الملف. أم الوليد بن طلال هي منى الصلح وخالته هي الأمير لمياء الصلح زوجة الأمير المغربي الراحل مولاي عبد الله شقيق الراحل الحسن الثاني. وطالب أفراد عائلة الصلح من الملك سلمان بن عبد العزيز الافراج عن الوليد. ويبدو أن العربية السعودية وبعد حادثة احتجاز رئيس حكومة لبنان سعد الحريري وبدء تسرب أخبار عن تعرضه لعنف جسدي، تريد تجنب فقدان العلاقة مع عائلة سنية ذات وزن رمزي في لبنان وهي عائلة الصلح. وليس من باب الصدفة وجود جميع أفراد عائلة رياض الصلح في الرياض منذ أيام، الأمر الذي لم يكن يحدث من قبل، والأمر الذي يفسر أنهم حضروا للوساطة للوليد.
سادسا، ترتب عن ملف اعتقال الأمراء ورجال الأعمال تراجعا في الاستثمارات الخارجية في العربية السعودية، حيث يسود مناخ من غياب الثقة وطغيان الشك في القوانين السعودية وعدم ضمان الاستثمارات.
سابعا وأخيرا، ترتب عن هذا الملف تراجع صورة العربية السعودية في الخارج، وبدأ الاعلام الدولي في عملية أشبه بالمحاكمة يركز على مساوئ ولي العهد سواء التبذير المالي أو المغامرات الحربية مثل حرب اليمن واحتجاز الحريري ودوره المخجل في ملف القدس. وبدأت تتحفظ عواصم أوروبية على استقباله طالما لا يحل هذا الملف الشائك، وهو ما حدث لكي يضمن ولي العهد استقبالا في باريس ولندن بدون معاتبات كبيرة ولكي يضع حدا لمحاكمة السعودية في الاعلام العالمي.