واحدة من أهم النقاط المحورية والحساسة في تمرير النفط الخام وغيره من السلع الهامة من مراكز الإنتاج إلى مواقع البيع هي الممرات البحرية، تلك الممرات التي تصطدم دائمًا بصراعات دولية تهدف إلى الهيمنة عليها لضمان عدم تعرض مصالح تلك الدولة أو غيرها (وبخاصة الدول الكبرى) في حالة السيطرة عليها من قبل دول عدوة.
فتلك الممرات والمضايق التي تؤدي إلى تقصير المسافات بين الدول في التجارة والتعاون العسكري هي في المحصلة أداة هامة تسعي الدول إلى التحكم بها من أجل إحداث تأثر أو تغير أو فرض قوة على دول أخرى، وخير نموذج على ذلك التخوف الكبير من سيطرة إيران عن طريق الحوثيين على مضيق باب المندب، وهو ما دفع السعودية (ومعها مصر) للتلويح بالحرب في حال تم تهديد طريق الملاحة.
أهم الممرات والمضايق في العالم
مضيق باب المندب
حد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانًا للسفن التي تسير بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا، وازدادت أهميته مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي، حيث يقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنويًّا (57 قطعة يوميًّا)، يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمرّ منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز، ومما زاد من أهمية الممر، أن عرض قناة عبور السفن هو 16 كم وعمقها 100-200م؛ مما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين.
الآن يواجه المضيق خطر السيطرة عليه من قبل إيران عن طريق المسلحين الحوثيين في اليمن، وبالتالي تعبيد الطريق أمام طهران للظفر بأهم منطقة استراتيجية للعرب على البحر الأحمر، وتحويلها إلى بؤرة صراع ملتهبة، ويسعى الحوثيون للسيطرة على المضيق من خلال السيطرة على مدينة المخاء الساحلية (60 كلم شرق المضيق)، يقول الناشط السياسي علي عبده المصنف للجزيرة نت أن السيطرة على مضيق باب المندب تمثل أولوية كبرى للحوثيين، جرى تأجيلها في السابق لحسابات سياسية، لكنها الآن تبدو غير مستبعدة في ضوء تحركاتهم العسكرية الأخيرة على الشريط الساحلي للبحر الأحمر.
ويرى محمد سالم العبدلي – أحد شيوخ قبائل مديرية باب المندب- أن مخاوف السيطرة على المضيق أصبحت أكثر واقعية من أي وقت مضي، في ضوء الحصار الحالي الذي يفرضه الحوثيون من جميع المداخل الشمالية بالتزامن مع تحركات البوارج الحربية الإيرانية في خليج عدن، البوابة الجنوبية لباب المندب، مشيرًا إلى أن هذه البوارج باتت تعبر المضيق بصفة مستمرة وهي على تواصل دائم مع جزر أرخبيل حنيش اليمنية وأخرى تابعة لإريتريا، تتخذ منها إيران قواعد عسكرية للحرس الثوري الإيراني، ويتم تخزين الأسلحة فيه.
مضيق هرمز
أهم ممر عالمي لمرور النفط، يعبره ما بين عشرين وثلاثين ناقلة نفط يوميًّا بحمولة تتراوح ما بين 16.5 و17 مليون برميل، أي بنسبة تشكل 40% من تجارة النفط العالمية بحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لذا فهو يلعب دورًا دوليًّا وإقليميًّا هامًا في التجارة الدولية، وتصدر دول الخليج نحو 90% من نفطها عن طريق ناقلات نفط تمر عبر مضيق هرمز، كما تأتي مستوردات دول الخليج من خلال سفن شحن تمر عبر مضيق هرمز، وخاصة تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان.
يقع المضيق في منطقة الخليج العربي، ويفصل ما بين مياه الخليج العربي من جهة، ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، تطل عليه من الشمال إيران (محافظة بندر عباس)، ومن الجنوب سلطنة عمان (محافظة مسندم) التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه، باعتبار أن ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية.
في القانون الدولي، يعتبر المضيق جزءًا من أعالي البحار، لكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، أي تخضع الملاحة في مضيق هرمز لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطًا على السفن طالما أن مرورها يكون سريعًا، ومن دون توقف أو تهديد للدول الواقعة عليه، على أن تخضع السفن للأنظمة المقررة من “المنظمة البحرية الاستشارية الحكومية المشتركة”.
المعروف أن إيران تسيطر على الساحل الشمالي للمضيق، وبينما تسيطر سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة على الساحل الجنوبي منه، ولأن مضيق هرمز هو الممر العالمي لصادرات النفط، فأمر الصدام بين إيران وأمريكا وبقية الدول الغربية حوله وارد، خاصة أن هناك أكثر من تقرير تحدث عن إمكانية إغلاق إيران للمضيق في حال شن هجوم نووي تكتيكي عليها من قبل الولايات المتحدة على سبيل المثال. حيث تحاول طهران أن تردع الولايات المتحدة (وإسرائيل) عن ضرب منشآتها النووية من خلال الإعلان الصريح والمتكرر عن أنها ستمنع، أو على الأقل، ستعطل حركة الملاحة في الخليج العربي، كما أنها ستغلق مضيق هرمز أمام صادرات النفط الخليجية الحيوية إلى العالم الخارجي.
قناة السويس
أقصر ممر مائي صناعي بين الشرق والغرب، تقع بين مدينة بورسعيد (مصر) على البحر الأبيض المتوسط، ومدينة السويس (مصر) على البحر الأحمر، أكثر من ثلثي تجارة العالم تمر منها أي تتحكم القناة في 40% من حركة السفن والحاويات في العالم، ما يقارب من 2.5 مليون برميل نفط يوميًّا.
تسمح القناة بعبور السفن القادمة من دول المتوسط وأوروبا وأمريكا للوصول إلى آسيا دون سلوك الطريق الطويل، طريق رأس الرجاء الصالح، وتسير السفن في قناة السويس بصفة عامة في اتجاه واحد ثم تتبعها السفن في الاتجاه المعاكس.
اشتعل على قناة السويس أطول صراع بين قوى الشرق والغرب، بدءًا من المصالح الفرنسية، ثم المصالح البريطانية والأمريكية والإسرائيلية، وحتى المصالح الروسية والصينية والقطرية، وفي العصر الحالي يستهدف الصراع العالمي الجديد قناة السويس، خاصة مع اشتعال الحرب في سوريا، وسعي روسيا والصين لفرض نفوذهما ضد أمريكا في الشرق الأوسط، والمواجهة الحالية بين إيران وأمريكا، وارتباك أوضاع النفط والبترول في الشرق الأوسط.
وهذا ما يؤكده تقرير لـ «رويترز» وصف القناة كواحدة من أكثر الموانئ الحيوية في المنطقة، ليس بالنسبة لأوروبا فحسب، ولكن لآسيا والشرق الأوسط كله، وذكر التقرير أن جزءًا من أسهم الميناء صار الآن مملوكًا للصين نتيجة السياسة الصينية البحرية الجديدة التي أدت إلى امتلاك جزء من أسهم ميناء بضائع بورسعيد، كما امتلكت جزءًا من أسهم ميناء نابولي في إيطاليا وميناء بيرايوس في اليونان.
ويضيف التقرير: “الواقع أن تلك الممرات والموانئ البحرية الهامة، وعلى رأسها قناة السويس، ستكون ملعبًا هامًا لاستعراض القوة بين الولايات المتحدة والصين، التي يتزايد نموها يومًا بعد يوم”، كما أشار التقرير إلى أن إدارة قناة بنما والموانئ الغربية للولايات المتحدة، تسببت في لجوء المصدرين الآسيويين للاعتماد أكثر على قناة السويس، واستخدام هذا الطريق لنقل تجارتهم للسواحل الشرقية من الولايات المتحدة. حتى وصل الحال الآن إلى أن 22% من التجارة الآسيوية الضخمة، تمر عبر قناة السويس.
وذكر أستاذ الاقتصاد البريطاني جيمس فيريير أنه في آخر مرة أغلقت فيها قناة السويس بسبب الحرب بين مصر وإسرائيل، بين عامي 1967 و1975، كانت النتيجة انهيارًا متواصلًا للتجارة العالمية، وقال إذا تعرضت القناة للإغلاق أو التعطيل الآن لأي سبب، في ظل الاضطرابات التي تشهدها مصر، فسيخسر العالم من 2 إلى 3 ملايين برميل نفط يوميًّا، وهي خسارة لا يمكن لأحد تحملها، خاصة مع النقص الحاد في موارد الطاقة، والتهديدات التي تواجهها مصادر الغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرًا.
مضيق جبل طارق
واحد من أهم المعابر البحرية في العالم. يقع بين شبه جزيرة إيبيريا شمالًا وشمال أفريقيا جنوبًا، ويصل بين مياه البحر الأبيض المتوسط، ومياه المحيط الأطلسي. يشرف على المضيق كل من المغرب وإسبانيا ومنطقة الحكم الذاتي جبل الطارق البريطانية. تعود التسمية للقائد طارق بن زياد الذي عبره في بداية الفتوحات الإسلامية لإسبانيا عام 711 م.
وازدادت أهمية المضيق الاستراتيجية نظرًا لوضعه الدولي الذي يسمح منذ 1982 لكل بلد يحلق في أجوائه ويعبر مياهه الإقليمية، بما فيها الغواصات، بالمرور من دون إبلاغ الدول المجاورة أي إسبانيا والمغرب، كما أن المنطقة التي حصل عليها البريطانيون سنة 1713 بناء على معاهدة أوتريخت ولا تتجاوز مساحتها سبعة كيلومترات مربعة ويسكنها ثلاثون ألف نسمة، تثير توترًا مزمنًا بين المملكة المتحدة وإسبانيا التي تطالب بالسيادة عليها، حيث ترى إسبانيا في التواجد البريطاني في جبل طارق انتهاكًا لقوتها الاستراتيجية.
يوضح الأستاذ في القانون الدولي الخاص في جامعة قادش “أليخاندرو ديل فايي” أن هذه المنطقة الصغيرة تشكل “بوابة الدخول والخروج الوحيدة المطلة على المتوسط”، الساحة التي أصبحت أكثر من أي وقت مضى استراتيجية بالنسبة للغربيين؛ نظرًا لتنامي التيار الإسلامي في دول الساحل وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط. وبالتالي تريد المملكة المتحدة التمسك بهذه المنطقة “بسبب الاتصالات والاستخبارات وحركة الملاحة البحرية”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد زودت المغرب برادارات XMC “SeaVue” التي تصنعها شركة رايثيون الأمريكية المتخصصة في أنظمة الدفاع والإلكترونيات. وقالت مصادر إعلامية أنه سيتم تثبيت هذا النظام الذي وصف بـ”الحديث” على متن الطائرات التابعة للقوات المسلحة الملكية المغربية. وينبغي أن تسمح هذه الصفقة الجديدة للسلطات المغربية بتحسين مراقبة مضيق جبل طارق.
قناة بنما
هي ممر مائي يعبر برزخ بنما، وتقطع القناة في جمهورية بنما – إحدى دول أمريكا الوسطى- من النصف؛ فتقسمها إلى جزء شرقي وجزء غربي، ويتركز 98% من السكان بالقرب من القناة، وخاصة في الجزء الغربي منها.
وتصل القناة ما بين المحيط الأطلسي، والمحيط الهادئ. وتُعد هذه القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم. ففكرة إنشائها طرحها في القرن السادس عشر من قبل الإمبراطور تشارلز كوينت، حتى لا تضطر السفن إلى الالتفاف حول أميركا الجنوبية.
وشكل تدشين القناة في أغسطس 1914 نهاية أعمال استغرقت سنوات طويلة، بدأها أولًا الفرنسيون الذين فشلوا، ثم تلاهم الأمريكيون، وشهدت تلك السنوات وفاة 27 ألف عامل من جراء الملاريا والحمى الصفراء.
وحتى تتمكن القناة من الصمود، كان يجب توسيعها وهو أمر مهم في السباق الدائر بين الموانئ العالمية، وفعلًا أقر مشروع توسيعها، إلا أنه توقف نتيجة خلافات حول من سيدفع فاتورة التكاليف الإضافية التي تبلغ 1.6 مليار دولار، ثم استأنف التوسع، بهدف سماح القناة لمرور سفن تزيد حمولتها على 12 ألف حاوية.
مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل
يصل مضيق البوسفور بين بحر مرمرة، والبحر الأسود. بينما يصل مضيق الدردنيل بين بحر مرمرة، وبحر إيجه، ويعتبر المضيقان بمثابة الحدود الجنوبية بين آسيا وأوروبا، وتصنف مياه البوسفور ضمن مياه الملاحة الدولية، يبلغ طول مضيق البوسفور حوالي 30 كم، بينما يتراوح عرضه بين 50 إلى 3000 متر، في حين يبلغ طول مضيق الدردنيل 61 كم، وعرضه ما بين 1.2 إلى 6 كم، ويتميز مضيق البوسفور بوجود تيارات مائية تجعله أحد الممرات الصعبة في الملاحة.