دأت في 14 فبراير الحالي أولى المناورات العسكرية التي تقودها السعودية مع عدد كبير من دول تحالفها الإسلامي الذي أعلنت عنه في ديسمبر الماضي، سُميت بمناورات “رعد الشمال” التي تنتهي في يوم 10 مارس المُقبل.
وفي هذا التقرير نتعرض لماهية تلك المناورة، والسياقات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تشهدها المملكة ومنطقة الشرق الأوسط، تزامنًا مع بدء المناورة وسط تصاعد في وتيرة الأحداث الإقليمية.
ماهية مناورة رعد الشمال
في مناورة كبيرة وواسعة وُصفت بأنها المناورة العسكرية “الأكبر في تاريخ المنطقة” بحسب وكالة واس الرسمية السعودية، تشارك 20 دولة عربية وإسلامية تحت قيادة السعودية، إضافة إلى قوات درع الجزيرة العسكرية التي تتكون من دول التعاون الخليجي؛ في مناورات رعد الشمال. وهذه الدول هي:
المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، البحرين،السنغال، السودان، الكويت، المالديف، المغرب، باكستان، تشاد، تونس، جزر القمر، جيبوتي، سلطنة عمان، قطر، ماليزيا، مصر، موريتانيا، موريشيوس، إضافة إلى قوات درع الجزيرة .
ويبدو أن تلك المناورة تمثل التدريب العسكري الأول لعدد كبير من دول التحالف الإسلامي، فلم تخلُ قائمة الدول المشاركة في المناورة من الدول الأعضاء في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية.
وتُقام المناورة – التي تستغرق 18 يومًا – شمال المملكة في مدينة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن، ويشارك فيها سلاح المدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، في محاكاة لأعلى درجات التأهب القصوى لجيوش الدول الـ20 المشاركة، فيبلغ تعداد القوى المشاركة في المناورة 150 ألف عنصر إلى جانب 300 طائرة ومئات الدبابات والقطع البحرية، مع استخدام أسلحة ومعدات حديثة كـ”التايفون” و”الأباتشي” و”الأواكس”.
وتأتي هذه المناورة للتأكيد على أن “قيادات الدول المشاركة تتفق في ضرورة حماية السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة” بحسب الرواية الرسمية، وتستهدف “إبراز القدرات القتالية العالية لهذه الدول، وقدرة الدول المشاركة على العمل في بيئة العمليات المشتركة ورفع جاهزية القتال للدول العربية والإسلامية لمواجهة “أخطار الإرهاب”.
توقيت حساس سياسيًا وعسكريًا!
أتي هذه المناورة في وقت شديد الحساسية مع تصاعد الأحداث سياسيًا وعسكريًا في المنطقة ودول النزاع، وبالأخص بعد قطع السعودية علاقتتها الدبلوماسية مع إيران التي يمكن وصفها بالعدو الإقليمي الأكبر للمملكة في مناطق النزاع، إذ تتخذ الدولتان مواقف متناقضة تمامًا في الصراع الدائر في المنطقة، ووفقًا لمحللين فإن تلك المناورات جاءت نوعًا من استعراض العضلات السعودية في مواجهة إيران التي تتدخل وتدعم عسكريًا الشيعة في سوريا واليمن.
وتزداد التوترات الأمنية في الداخل السعودي وفي منطقة الشرق الأوسط ككل، فداخليًا لا تزال السعودية تواجه مخاطر تنظيم الدولة الذي تبنَّى العديد من العمليات الدموية بالداخل السعودي.
وفي اليمن، يقترب معكسر عبد ربه منصور الهادي – المدعوم عسكريًا من التحالف العربي الذي تقوده السعودية هناك – من معركة عسكرية قد تكون حاسمة ومصيرية تستهدف استرداد العاصمة اليمنية صنعاء من الحوثيين، في الوقت الذي يستهدف الحوثيون بين الحين والآخر أهدافًا بالداخل السعودي تُسفر عن خسائر بشرية ومادية تارة وتُخفق في أخرى، بعد نجاح الدفاع الجوي السعودي أحيانًا في إسقاط الصواريخ الحوثية قبل الوصول إلى الأهداف السعودية.
وفي العراق، يستمر الصراع هناك وبالأخص في منطقة الرمادي حيث تشتد المعارك بين الجيش النظامي العراقي وتنظيم الدولة، وكرد فعلي أولي من العراق – غير المشاركة في التحالف الإسلامي – على مناورات رعد الشمال؛ أرست العراق قوة مسلحة كبيرة على الحدود السعودية العراقية لمراقبة المناورات، وحذر عدنان الأسدي – عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان العراقي وممثل كتلة ائتلاف دولة القانون – الرياض من اختراق الطائرات السعودية الأجواء العراقية.
أما عن الجانب الأهم والأبرز في توقيت المناورة فهو الصراع في سوريا، إذ تأتي هذه المناورة بعد يوم واحد من تأكيد كل من السعودية والإمارات تدخلهما البري في سوريا، وإعلان تركيا استعدادها لمشاركة السعودية في هذا التدخل الذي يستهدف محاربة تنظيم الدولة تحت غطاء التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وفي هذا الصدد أكد أحمد العسيري المتحدث باسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية أن هذا القرار لا رجعة فيه، وفي سياق متصل فقد أرسلت السعودية حوالي 20 طائرة مقاتلة إلى قاعدة إنجرليك التركية استعدادًا لاستهداف تنظيم الدولة في سوريا.
وقد ربط العديد من المراقبين بين مناورة رعد الشمال والتدخل البري السعودي في سوريا، ووصفوه بأنه استعدادات مباشرة لهذا التدخل نظرًا لحجم المناورات ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها بشكل كبير. ذلك التدخل الذي يظل محل جدل بين دول التحالف، فبالإضافة إلى الإمارات وتركيا تؤيد قطر التدخل باعتباره “ضرورة مُلحة” وأعلنت استعدادها للتدخل إذا طلبت السعودية ذلك، وترفضه إحدى دول التحالف الإسلامي كمصر التي تُفضل “الحل السياسي الأُممي للأزمة السورية“.
وكما هو متوقع رفضت روسيا – أقوى حليف لنظام بشار الأسد – ذلك التدخل باعتباره “يُمثل خطوة قد تثير حربًا حقيقية طويلة الأمد في سوريا“، كما رفضت إيران السماح “بأن تنفذ بعض الدول غير المسئولة سياستها” في الإشارة إلى التدخل البري السعودي إلى سوريا بحسب الرواية الرسمية الإيرانية التي اعتبرت أن “السعودية استنفدت إمكانياتها العسكرية، حيث فشلت محاولاتها في اليمن، كما في سوريا”.
وازداد الوضع تأزمًا في سوريا بعد القصف الروسي المكثف على حلب، وسط محاولات من النظام السوري وحليفه الروسي لقطع طريق الإمداد بين تركيا – حليف السعودية – والمعارضة المعتدلة، وبالرغم من توقيع اتفاق ميونيخ الذي يسعى لوقف إطلاق النار والوصول لحل سلمي للأزمة، فما زال إطلاق النار مستمرًا لتدخل تركيا فيه بعد قصف تركي لوحدات حماية الشعب الكردية لتأمين طريق الإمداد للمعارضة المعتدلة.
سياق اقتصادي غير مُبشر
يتصاعد الاهتمام السعودي عسكريًا، وتفتح السعودية أبوابًا جديدة للمواجهات العسكرية، وتزداد بذلك التحديات الأمنية للمملكة وما يعقبها من استعدادات عسكرية وأمنية من شراء أسلحة وإجراء مناورات مُكلفة بشريًا وماديًا، وسط مؤشرات اقتصادية غير مُبشرة؛ إذ بلغ عجز الموازنة لعام 2015 رقمًا قياسيًا ببلوغه 98 مليار دولار، وكانت السعودية من أكبر المُتضررين من أزمة انخفاض أسعار النفط، تلك الأزمة التي ظهرت بشدة هذا العام ومن المتوقع استمرارها لفترة ليست بالقليلة، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إثر دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، لتدخل إيران سوق النفط بقوة وهي تمتلك 10% من احتياطي النفط العالمي، مما يُزيد العرض من النفط وقد يُمدد الأزمة.
وقد ينعكس النشاط العسكري السعودي على المواطن باتخاذ إجراءات تقشفية تقلص من مستوى دخل المواطنين، ولكن هذا النشاط قد يساعد المملكة على تحقيق أهدافها السياسية في المنطقة، وهو ما ستكشف صحتَه الأيامُ مع تصاعد وتيرة الأحداث الإقليمية!