يخشى الكثير أن تسقط ليبيا في سيناريو “الصوملة” في ظل استمرار العداء بين الفرقاء الليبيين المتحاربين، ما قد يجعلها بمثابة ثقب أسود يهدد المنطقة المغاربية برمتها، وتتحول إلى وكر لـ”الإرهاب”، الذي قد يتخذها معقلا له لتدريب الشباب المستقطب وتمويل أنشطته إن سيطر على آبار النفط هناك.
لكن ليست ليبيا المشكلة الوحيدة التي قد تواجه استقرار المنطقة المغاربية فحسب، فاستمرار نزاع الصحراء وتزايد معارضة بوتفليقة المريض في الحكم وانتعاش نشاط مهرّبي المهاجرين، كل ذلك قد يزيد من التحديات الأمنية التي تعترض منطقة المغرب العربي في 2016.
هل تتوقف الحرب الأهلية في ليبيا؟
استطاع الفرقاء الليبيون أخيرًا توقيع اتفاق لإنهاء الصراع حول السلطة في 17 ديسمبر 2015 بالصخيرات المغربية، وذلك بعد مجهودات إقليمية ودولية حثيثة تحت رعاية الأمم المتحدة، وقد لاقى الاتفاق ترحيبًا إقليميًّا ودوليًّا.
خاضت الأطراف الليبية المتنازعة حربًا ضروسًا بينها طوال شهور وخلفت مئات القتلى والمصابين، وكان طريق الحوار فيما بينها شاقا ومليئا بالعثرات بسبب الفجوة المتسعة التي تفصل الفرقاء، بيد أن المجتمع الدولي يعول هذه المرة على الاتفاق الأخير بالصخيرات، الذي ينص على توحيد سلطة طرابلس وسلطة طبرق المتقاتلتين في حكومة وحدة وطنية، تقود المرحلة الانتقالية لمدة عامين، وتنتهي بانتخابات تشريعية.
وبالرغم من التفاؤل البالغ الذي قد تبديه معظم الأطراف الدولية لوصول الفرقاء الليبيين إلى اتفاق أخيرًا، فإن الأمر ليس بهذه البساطة؛ إذ لا زالت الآلية التي سينفذ بها مضامين الاتفاق غير واضحة حتى الآن، الأمر الذي قد يعرض الاتفاق إلى الانهيار كما حصل مع سابقه في تونس، حيث تجعل العداوة الشديدة والجلية بين الأطراف الليبية المتخاصمة غير مهيئين بشكل اختياري لتنفيذ اتفاق، بالإضافة إلى التباينات الحادة وسط كل من معسكر طرابلس ومعسكر طبرق التي تحول دون توحيد قراراتهم، وبالتالي فإن الاتفاق الأخير نفسه هش للغاية وقد لا يطول.
وحتى إذا نجح الفرقاء الليبيون في فرز حكومة وحدة وطنية بطريقة ما، فإن الأخيرة ستواجه مشكلات أمنية عويصة مثل محاربة داعش ومثيلاتها من الجماعات المتطرفة، ومشكلة نزع السلاح ودمج الميليشيات المسلحة في الجيش، وهو ما يعني أن الحلم باستقرار ليبيا في 2016 لا يزال بعيد المنال.
هل تبتلع داعش مناطق مغاربية؟
كان تهديد خطر داعش أحد دوافع الضغط الدولي لإرغام الفرقاء الليبيين المتنازعين على التوصل لاتفاق، ينتج عنه حكومة وحدة وطنية يكون هدفها الأول دحر الجهاديين المنتشرين في أنحاء ليبيا.
بالرغم من البعد الجغرافي لمعقل التنظيم المتطرف بالعراق وسوريا، إلا أنه استطاع استمالة ميليشيات متشددة بليبيا منتشرة في كل من سرت وبنغازي ومناطق أخرى، وقد أعلنت الولاء له، ما يشكل تهديدا حقيقيا لأمن شمال إفريقيا ككل.
تعي داعش جيدا وضع المنطقة المغاربية المحتقنة، والتي تضم فئات واسعة من شعوبها تكن مشاعر السخط تجاه فساد حكوماتها وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يوفر للتنظيم المتطرف بيئة خصبة للتوغل فيها، واستقطاب آلاف المقاتلين.
تحاول داعش كذلك إسقاط تونس في قبضتها، بفعل الهجمات الإرهابية المتكررة والتي أودت بعشرات القتلى وألحقت ضررًا بالغًا باقتصاد تونس المعتمد على السياحة، حيث تستغل الوضع السياسي المترنح وخيبة الأمل الكبيرة التي مني بها الشباب التونسي بعد ثورة الياسمين.
بناء على ذلك فتهديد داعش سيستمر في ليبيا وتونس خلال 2016 القادمة، في حين تبدو كل من الجزائر والمغرب قلعة حصينة في وجه الجماعات المتطرفة، واللتان يعول عليهما في كبح تمدد داعش بشمال إفريقيا، أما موريتانيا فلا تمثل بالنسبة للجهاديين منطقة جذب لكونها خالية من الموارد الطبيعية.
هل تشعل الصحراء صراعًا مسلحًا بين المغرب و«البوليساريو»؟
يتسبب “نزاع الصحراء” أيضًا في عرقلة جهود أمن شمال إفريقيا، إذ لم تنجح الجهود الدولية حتى الساعة في تسوية المشكلة، ففي حين لا يزال المغرب متمسكًا بمقترح الحكم الذاتي لحل القضية، تصر جبهة “البوليساريو” على المطالبة بتقرير المصير.
وبسبب مشكلة الصحراء أيضًا تستمر العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر الداعمة لـ”البوليساريو”، مما ينعكس سلبا على استقرار المنطقة ككل.
وبالرغم من أن جبهة “البوليساريو” تلوح في غير ما مرة بعودتها إلى حمل السلاح في وجه المغرب بعد تعثر المفاوضات الأممية، فإن ذلك يبقى خيارًا مستبعدًا، في ظل حرص كل الأطراف المعنية على عدم الانجرار إلى وضع قد يزيد حال المنطقة المغاربية سوءًا، بعد انهيار الوضع في ليبيا وترنح ثورة تونس.
من المنتظر أن تبدأ الأمم المتحدة مساعيها من خلال مبعوثها الخاص كريستوفر روس في 2016 لإحياء مفاوضات الصحراء من جديد بين المغرب والبوليساريو، بمشاركة كل من الجزائر وموريتانيا، بعدما وصلت إلى نفق مسدود.
هل سيستمر بوتفليقة في الحكم خلال 2016؟
يزداد الشك والارتياب في أوساط المعارضة السياسية والشعبية بالجزائر من قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التسيير، بسبب وضعه الصحي المتدهور، وتتعالى أصوات من هنا وهناك، تطالب باستثمار المادة 88 من الدستور الجزائري التي تخول إعفاء الرئيس حالة عجزه عن أداء مهامه الدستورية وتنظيم انتخابات مبكرة.
وينتظر مع بداية العام الجديد، كما سبق أن أعلن ذلك قصر المرداية رسميًّا؛ تعديلات دستورية، من شأنها تعزيز طريق هادئ للانتقال الديمقراطي، وتعد بتعميق الفصل بين السلطات وتقوية المعارضة البرلمانية ووضع آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات مع تعزيز الحقوق والحريات.
ولعل هذه التعديلات القادمة في الدستور الجزائري قد تخفف الاحتقان السياسي والشعبي، إلا أنها قد لا تكون كافية لتجاهل الوضع الصحي المتدهور للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مثلما أن صراع أجنحة الحكم في قصر المرداية من جهة وانتقادات المعارضة المتزايدة من جهة ثانية، ربما يؤثر ذلك على تغير المشهد السياسي للجزائر في 2016.
هل تنجح جهود التصدي للهجرة السرية بالمنطقة المغاربية؟
يتدفق آلاف المهاجرين نحو مدينة زوارة بليبيا، من أفريقيا جنوب الصحراء وسوريا والدول المغاربية المجاورة، قصد عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، مستغلين غياب الرقابة الأمنية بالسواحل الليبية، وقد خلفت القوارب المتهالكة المهاجرة مئات الغرقى، وأنقذت البحرية الإيطالية الآلاف منهم.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي يعتمد على المغرب في تأمين الحدود الشمالية مع إسبانيا من المهاجرين السريين، بفضل الرقابة الأمنية المشددة، فإن الوضع المتدهور في ليبيا، يجعل السواحل غير المؤمنة هناك نقطة ملائمة لانطلاق المهاجرين الأفارقة والسوريين والمغاربيين.
وبعد منح مجلس الأمن الحرسَ الأوروبي، أكتوبر الماضي، الضوءَ الأخضرَ لاستخدام القوة العسكرية ضد المهربين، لا تزال قوارب المهاجرين تغادر السواحل الليبية، دون أن تمنع الإجراءات الأوروبية من استمرار الظاهرة.
تونس هي الأخرى تعكف حاليًا على بناء جدار أسمنتي لتأمين حدودها مع ليبيا، منعا لتسلل متشددين قد يقومون بأعمال تخريبية بالأراضي التونسية.
عادة ما ترتبط الهجرة غير الشرعية بالاستقرار، وبالتالي فإنه كلما ساء الوضع الأمني بالمنطقة المغاربية كلما انتعشت ظاهرة الهجرة السرية، والعكس صحيح.