دعا معهد للتفكير الاستراتيجي في مدريد الحكومة الإسبانية الى التنسيق مع المغرب في اختيار أئمة المساجد، وهذه الدعوة تأتي مغايرة للسياسة التي نهجتها حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي طيلة سنوات بمحاولة قطعها العلاقات الدينية بين المغرب والجاليات المسلمة في هذا البلد الأوروبي.
ونشر معهد التفكير الاستراتيجي ريال إلكانو دراسة معمقة هذا الأسبوع حول العلاقات الثنائية تبرز عدم قدرة اسبانيا على اختيار أئمة معتدلين للمساجد في البلاد. ويشير التقرير الضخم الى أن مساعي المغرب التحكم في اختيار الأئمة يصب في صالح اسبانيا لأن الرباط تريد إبعاد الأئمة المتطرفين من المساجد في هذا البلد.
وينسب التقرير مساعي الرباط الى أن أكبر جالية مسلمة في اسبانيا هي الجالية المغربية التي تشكل قرابة 60% من مسلمي هذا البلد الأوروبي. في الوقت ذاته، تبقى الجالية التي تشهد أكبر نسبة من الاعتقالات في صفوفها بتهمة التطرف والانتماء الى الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش.
وتعتبر دعوة مركز التفكير الاستراتيجي جديدة للغاية سواء بالنسبة للمعهد نفسه أو بالنسبة لتفكير الحكومة، حيث يعتبر هذا المركز من أهم المراكز التي تقدم المشورة الاستراتيجية للدولة الإسبانية.
وكان الرأي السائد حتى الأمس القريب هو سعي حكومة مدريد خاصة مع الحزب الشعبي المحافظ تقليص نفوذ المغرب وسط الجاليات المسلمة مخافة من تحول المسلمين الى طابور خامس يخدمون مصالح المغرب. وأقدمت اسبانيا خلال الأربع سنوات الماضية على اتخاذ قرارين، الأول وهو جعل القيادة الدينية الإسلامية في يد المشارقة على حساب المغاربة الذين يشكلون الأغلبية، مما خلق توترا. والقرار الثاني هو تغيير القوانين حتى لا تنفرد فيدرالية الجمعيات الإسلامية التي تتشكل من أغلبية الجمعيات المغربية من التحكم في الاسلام الإسباني.
ويبقى المثير في الأمر أنه في الوقت التي تبنت حكومة مدريد سياسة إبعاد الرباط عن الشأن الديني الإسلامي في هذا البلد الأوروبي، رفعت من التنسيق الأمني والاستخباراتي لمواجهة المتطرفين الى مستوى السماح للمخابرات المغربية بالمشاركة في عمليات اقتحام وحضور استنطاق، بينما لم تدرك بأهمية الموازاة بين المسلسلين، التنسيق الأمني والتنسيق الاسلامي في مراقبة المساجد لتفادي سقوطها في يد المتطرفين.
وفشل المغرب في إقناع السلطات الإسبانية بالتنسيق في الشأن الإسلامي في اسبانيا، ومما حال دون تحقيقه هذا الهدف، عدم امتلاكه مساجد يتحكم فيها، ثم وجود جماعة العدل والإحسان التي نجحت في بناء مساجد وتشكيل عشرات الجمعيات.
لكن رغم هذه التوصية من مركز استشاري للحكومة، يصعب جدا تطبيقها بحكم عدك امتلاك الدولة الإسبانية ولا المغرب مساجد في اسبانيا التي تعود لدول مثل السعودية أو جمعيات. وتطبيق هذا القرار يتطلب إصدار قانون يتم بموجبه فرض أئمة ونزع الصلاحية من الجمعيات.