تتميز مرحلة وزير العدل و”الحريات” مصطفى الرميد على رأس الوزارة بتسجيل أعلى نسبة من ملاحقة القضاء المستقلين ومحاولة تقزيم وتحجيم “انتفاضة القضاة” من أجل الديمقراطية واستقلالية القضاء. فبعد ملاحقة قضاة نزهاء، يأتي الدور على قاضية مستقلة أمال حماني فضحت الألاعيب للتحكم في منظومة القضاء من خلال نسف التعديلات التي ترمي الى الرقي بالمغرب الى تحقيق عدالة في دولة تؤكد التقارير الدولية على فساد منظومتها القضائية.
نص مقال آمال حماني:
بمجرد أن تلقي نظرة على مقتضيات المشروعين المتعلقين بالسلطة القضائية خاصة المادة96 من القانون رقم 106.13 تتبادر الى دهنك عدة تساؤلات حول الأهداف و الغايات التي يسعى واضعوها إلى تحقيقها، هل فعلا يريدون إصلاح القضاء و ضمان سلطة قضائية قوية و مستقلة و نزيهة تحمي المواطن و تدافع عن حقوقه بكل تجرد و حياد و تساوي الجميع أمام القانون؟ هل إعتمدوا معايير موضوعية تراعي مصلحة المتقاضين و واقعهم المر الذي يفرض علينا و عليهم ما لا نطيق ؟! هل حقا إعتمدوا مقاربة شمولية تراعي المتغيرات الاجتماعية و الإقتصادية و الحقوقية التي تعرفها الساحة القضائية المغربية ؟! هل حقا وضعوا دستور 2011 نصب أعينهم عندما شرعوا في صياغتها ؟!
لقد حاولت جاهدة ان أقرأ هذه المادة من زوايا متعددة لعلي أجد ما يشفع لهم ويبرر هده المهزلة المثيرة للريبة لكن لم أستطع فكل ما يخطر ببالي أن من صاغ بنود هذه المادة جعل من القاضي خصما له و أراد أن يهزمه بجميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة حتى انه لم يراع المنطق و الموضوعية و جعل من تركيع القضاة هدفه الأسمى فيكفي ان نلقي نظرة سريعة على بنود هذه المادة ليتضح لنا جليا انها جاءت ضدا على بعض الأشكال الاحتجاجية التي سبق لنادي قضاة المغرب أن قررها في عدة بيانات في بداية مشواره المهني عندما كان بصدد الدفاع عن السلطة القضائية و يطالب بالزيادة في الأجر و إستقلال النيابة العامة او هدد بها كالإضراب مثلا.
وهذا يؤكد ان الهجمات الإعلامية التي تعرض لها القضاء في الآونة الأخيرة من إتهام بممارسة السياسة و عدم النضج و غيرها لم يكن إلا تمهيدا لهذه الكارثة الحقوقية التي جعلت من دستور 2011 الذي صوت عليه المواطن المغربي أملا في مستقبل أفضل مجرد حبر على ورق لا وجود له على ارض الواقع.
لقد تأكدت بالملموس أننا كقضاة و كمواطنين نعيش في مسرح كبير يعبث فيه السياسي بعقولنا و يجعلنا نعتقد أننا بالفعل لنا دور في بناء مجتمعنا و إصلاح وطننا و الرقي به ثم يفاجئنا بأننا مجرد ديكورات تستعمل لتأتيت فضائه أو أدوات لتجميل وجهه و إخفاء عيوبه امام المتفرجين سواء المحليين أو الدوليين.
لقد تأكدت أن السياسة في بلدنا تعني المهارة في تكرار نفس الخدعة مئات المرات و الوصول الى النتيجة المطلوبة دون ان ينتبه المخدوع الى أنه خدع للمرة الألف.
لقد تأكدت ان السياسي لا ينظر لأي مشروع إصلاحي إلا من زاوية مصالحه ومصالح التيار الذي ينتمي إليه ضارب بعرض الحائط المصلحة العامة.
لقد تأكدت أن الكثير من الجمل و المصطلحات و العبارات الوطنية الجميلة التي يكررها السياسيون بمناسبة أو بدونها لا تعني ما نفهمه منها في قاموس السياسة فهي مجرد أغلفة تستر المعاني داخل المباني.
لقد أصبحت على يقين أنه يتعين على السياسي المغربي – مدام انه سيفعل ما يريده في جميع الأحوال – أن لا يستنزف جهدنا ووقتنا و مالنا و يجعلنا نعتقد ان هناك بالفعل تغيير.
هنيئا لكل معارضي الإصلاح و التغيير المتمسكين بسيف الإنتقام لإعتقداهم الدائم انهم في معركة يجب كسبها بجميع الوسائل, الذين يجتهدون جدا لتأمين أنفسهم و حماية مصالحهم قبل الجميع.
و عزائي لكل الشرفاء الأحرار من كل التيارات, الذين قاوموا قدر الإمكان لحماية الوطن و المواطنين من كل أشكال الحيف و الظلم وحاولوا ضمان المساواة بين الجميع أمام القانون .
لقد صار القضاء أخيرا الجزء الكبير من اللعبة فتارة سيكون يساريا و تارة أخرى يمينيا متطرفا و هكذا و دوالك الى أن يأتي يوم ينتقل فيها المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة .
أما الآن فسيبقى النافذون مرة أخرى فوق القانون و لا سبيل لتطبيقه عليهم لانهم الخصم و الحكم, هم من سيقررون من يعاقب و من يعفى ,هم من سيقررون مصير المواطن الذي لم يعد مسموحا له أن يكون (محايدا )بل مجبرا مثله مثل القاضي ان يكون بيدقا تتقاذفه الأصابع و الأيدي و قطعة تؤثت فضاءهم عند الحاجة و علبة مكياج لإخفاء عيوب وجههم.
في كل مرة أقتنع أن ألله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فرغم مرور عدة عقود على مدعي الإصلاح في المغرب لايزالون كما هم أول مرة فالإصلاح بالنسبة لهم مجرد فن من فنون الخداع التي تمارس كل يوم على المواطن و لم تختلف سوى الوسائل فقديما كان ( البراح ) يقوم بالواجب اما اليوم فتقوم به وسائل الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي على نطاق واسع جدا, فقد أصبح لهم مواقع إلكترونية و جرائد يومية و أسبوعية و فضائيات سمعية بصرية سهلت كثيرا مهمتهم فقد سمحت لهم بتوجيه الرأي العام في الإتجاهات التي يريدونها فاصبح المواطن يصب جم غضبه على عدة مؤسسات من الدولة أبرزها -القضاء- لأن هؤلاء أقنعوه انه سبب همومه و مشاكله و كل البلاء الذي يحيط به فهذا المسكين لا يعلم أنهم هم من كانوا يتحكمون في زمام الأمور و يمسكون بخيوط لعبتهم القضائية التي يحركونها في الإتجاه الذي يريدونه فيحاكمون و ينفذون و يعاقبون من شأوا لان هذا الكيان الذي بين أيديهم ضعيف و لا حيلة له أمامهم و أمام قوتهم التي يستمدونها من هذا المواطن المسكين.
فقد ترسخت صورة نمطية عن القاضي في دهن المواطن لدرجة ان عبارة قاضي أصبحت مرادفة للفساد و الرشوة و التكبر و الجبروت لأنهم نجحوا في تسويقها بشكل جيد على مدى عقود مستغلين كل الوسائل و التسهيلات المتاحة لهم على جميع الأصعدة و بالمقابل يوجد عدد لا يستهان به من المفسدين فوق مستوى الشبهات من كثرة ما يتم تلميع وجوههم و تطييب ريحهم و ستر فظائعهم فلا أحد يجرؤ على النبش في أغراضهم.
لقد إنتهت أخيرا فصول المسرحية الكبرى التي دامت لسنوات و إنتهى معها دورنا في تجسيد شخصيات تصنع التغيير و تحقق المستحيل و تقدم غدا أفضل للمواطنين .
لقد دفعنا الثمن كاملا لمخرجيها لقاء مشاركتنا فيها و تعاوننا معه في تمثيل دور المصلح عليكم معشر المظلومين لكن نرجوا ان تلتمسوا لنا العذر فلم نكن – والله -نعلم انها مجرد مسرحية للضحك على الدقون و ذر الرماد في العيون لذلك أدينا أدوارنا ببراعة متناهية و كنا جد مقنعين لدرجة صدقنا فيها أنفسنا.
لكن مع ذلك لايزال باب الامل مفتوحا فأملنا كبير في ألله و في ملكنا و في ذوي النوايا الحسنة و الروح الوطنية العالية منا و منكم و في كل شرفاء هذا الوطن على مختلف مشاربهم.