يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية “الكوخ” للكاتب الإسباني بيثينتي بﻻسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد.
والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان “السيدة بيرفيكتا” للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية “عيطة تطاون” لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتادها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان.
كيف ترون واقع الترجمة، من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية؟
حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية، وتحديدا في شمال المغرب في تطور مطرد، ويرجع الفضل في ذلك إلى الجهود التي يجب التنويه بها لجماعة من المترجمين المقتدرين الذين يقومون بنقل بعض الأعمال الرائعة لكتاب كبار إلى القارئ العربي، الذي لا يعرف اللغة الإسبانية، والترجمة بهذا المفهوم تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وتفتح الحوار بين الحضارات، وتجعل الشعوب تنفتح على بعضها لتتعارف أكثر، وبالتالي تحقق جوا من الإنسجام يطبعه التعايش السلمي بين الشعوب لاسيما حين يكون لها تاريخ مشترك، بالإضافة إلى الجوار الجغرافي كما هو الحال بالنسبة للشعب الإسباني، والشعوب العربية عامة والشعب المغربي بصفة خاصة.
متى بدأ اهتمامكم بميدان الترجمة، وماهي الأعمال الروائية التي قمتم بترجمتها؟
بدأت محاولاتي في الترجمة في الثمانينات من القرن الماضي، كنت وقتها أعمل أستاذا في الرباط، وكنت أتردد على خزانة المركز الثقافي الإسباني بالرباط آنذاك معهد ثيربانطيس حاليا، وكنت أقضي هناك بعض الوقت أقرأ الكتب والمجلات، وحينما يعجبني مقال كنت أقوم بترجمته، وفي هذا الاتجاه ترجمت بعض المقالات ونشرتها في بعض الملحقات الثقافية، وهنالك بدأت ميولاتي إلى الترجمة. لكن لم أبدأ ترجمة الرواية إلا عندما أتيت إلى طنجة لأعمل أستاذا في البعثة الإسبانية، وأول عمل ترجمته هو رواية مريانيلا وبعدها “عيطة تطاوين” ثم “السبدة بريفيكتا” وجميعها لغالدوس، كما ترجمت مسرحيتين واحدة لغالدوس تحمل عنوان “ألثيستي” وأخرى لبايي إنكلان تحمل عنوان “أضواء البوهيمية”، ثم رواية الكوخ لبلاسكو إيبانييث والآن أشتغل على رواية أخرى لغالدوس.
بعد ترجمة مجموعة من الأعمال الروائية من اللغة الإسبانية للروائي العملاق “غالدوس” صدرت لكم مؤخرا الترجمة العربية لرواية “الكوخ”، للكاتب الإسباني بيثينتي بﻻسكو إيبانييث، لماذا هذه الرواية بالذات؟
في الواقع أنا أشتغل في ترجمتي على أعمال “غالدوس” الروائية لكن من حين لآخر أترك “غالدوس” وأتناول أديبا آخر أو جنسا أدبيا آخر، كما فعلت حين ترجمت مسرحية “أضواء البوهيمية” لمؤلفها، “رامون ماريا ديل بايي إنكلان” وقبلها رواية السيدة بيرفيكتا.
وبخصوص الأسباب التي جعلتني أترجم رواية “الكوخ” وهو أنني قرأت بعض فصول هذه الرواية وأنا مازلت أدرس بالثانوي فأعجبتني، وعلقت بذهني لاسيما الفصل الذي يتحدث عن محكمة المياه، وهي المحكمة التي لا تناقش أحكامها، ويحترمها الفلاحون ويرضخون لإرادتها وهي محكمة قديمة مختصة بأمور الفلاحين ومايدور في فلك الفلاحة من ري وزراعة وغيره حتى إن قضاتها يسمون بالسواقي، هذه المحكمة ورثوها عن العرب حينما كانوا في فالنسيا بالأندلس، وعلى ذكر العرب فرواية “الكوخ” حافلة بالإشارة إلى العنصر العربي فقد ورد فيها مايقارب 20 إشارة إلى العنصر العربي.
أما الرواية في حد ذاتها فهي تحكي عن الصراع بين الفلاحين الصغار المستأجرين وبين الملاكين الجشعين، بين الفلاح الذي يستأجر قطعة أرضية من المالك الذي يريد أن يمتص دمه عن طريق الرفع من الإيجار. إنها تصور حياة الفلاحين الذين يكدون ويعملون لكسب لقمة العييش ومن أجل تسديد ثمن إيجار الأرض، إنه صراع الإنسان مع محيطه، هذا هو محورهذه الرواية.
أين تتجلى رمزية عنوان الكوخ في الرواية؟
اختار الكاتب بلاسكو إيبانييث عنوان “الكوخ” لأن الفلاحين الذين يتناولهم في روايته بسطاء يعيشون داخل أكواخ في غوطة بالنسيا، منطقة فلاحية شاسعة. والغريب أن هذه الرواية في طبعتها الأولى لم تحقق النجاح الذي كان ينتظر منها إذ لم تتعد مبيعاتها 500 نسخة، ولم تنل الشهرة إلا بعد ترجمتها إلى اللغة الفرنسية حيث بلغت مبيعاتها أكثر من مليون نسخة.
قمتم بترجمة أربعة أعمال لغالدوس تتنوع بين الرواية والمسرحية، مالذي يلفت انتباهكم في أعمال غالدوس؟
أنا أشتغل على ترجمة أعمال “غالدوس” أساسا لأنه يعد أعظم كاتب إسباني بعد ثيربانطس، فغالدوس غزير الانتاج، جيده وأعماله تفوق 100 رواية و20 مسرحية، وهنا سأقول عنه ما قيل عن المتنبي، لقد قيل عن المتنبي: “جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس” ، وأقول أنا جاء غالدوس فملأ الدنيا بإنتاجه الغزير وشغل الناس بدراسة أعماله الرائعة وترجمتها إلى معظم لغات العالم.
صدرت لكم عن دار النشر ليتوغراف بطنجة ترجمة كتاب”عيطة تطاوين” هل تحفل الرواية بخلفية تاريخية؟
كتب غالدوس مجموعة من الروايات التاريخية ، تسمى الأحداث الوطنية تضم 46 رواية بدأها برواية طرف الغار، وحرب التحرير سنة 1805، إلى إعادة الملكية سنة 1875 على فترة 70 سنة تغطي هذه الروايات الأحداث الوطنية في إسبانيا، وتندرج عيطة تطاوين ضمن سلسلات روايات الأحداث الوطنية ، وهي رواية تاريخية تحمل رقم 36 ضمن السلسلة الرابعة وتدور أحداثها حول حرب تطوان التي وقعت بين إسبانيا والمغرب سنة 1859- 1860 والتي تعرف في الأدبيات الإسبانية بحرب افريقيا والتي انتهت باحتلال اسبانيا لمدينة تطوان .يقول غالدوس عن هذه الرواية “إنه أ صعب وأتعب كتاب كتبته في حياتي” فقد كان غالدوس يكتب روايات الأحداث الوطنية في مدة لا تتعدى شهرين إلا أن عيطة تطاون استغرقت كتابتها أربعة أشهر بين أكتوبر 1904 ويناير 1905 وربما كان مصدر الصعوبة التي تحدث عنها الكاتب مرده إلى الصعوبة في الحصول على المعلومات، لا سيما وأنه كان ينوي أن يحكي الحرب التي دارت بين إسبانيا والمغرب من وجهة نظر مغربية، لذا اطلع على كل ما كتب عن المغرب إذ ذاك، ومما يلاحظ في عيطة تطاون هو براعة الكاتب في وصف المدينة أزقتها وأحيائها، ساحاتها وأبوابها وكل ما له صلة بها كأنه واحد من أبنائها الذين عاشوا بين جدرانها، على الرغم من أنه لم يزرها قط، وإن كان قد زار طنجة أسابيع قليلة قبل كتابة الرواية. وقد عرض غالدوس في هذه الرواية لجوانب من الثقافة الإسلامية، فذكر في الرواية تسع آيات قرآنية مستعينا في ذلك بمستعرب إسباني كان يقيم بمدينة طنجة، الذي زوده بمعلومات قيمة حول الثقافة المغربية والإسلامية، كما أمده بجزء من كتاب الاستقصا الذي يتحدث عن حرب تطوان.
توجتم عن ترجمتكم لكتاب السيدة بيرفكتا للكاتب الإسباني بينيثو بيريز غالدوس بجائزة الترجمة في المعرض الدولي للكتاب والنشر سنة 2014، ماهو انطباعكم عن هذه الجائزة كيف يمكن تقريبنا من هذه الرواية الهامة وشخصيتها المحورية السيدة بيرفكتا؟
الجائزة أعتبرها نتيجة لعملي ولعمل جماعة من المترجمين في الشمال يقومون بجهود مشكورة وأعتبر هذه الجائزة تتويجا لنا جميعا لأننا نعمل جميعا في خندق واحد ونحاول أن نساهم قدر الإمكان في هذه الثقافة ، أما رواية السيدة بيرفيكتا فيطرح غالدوس فيها عدم التسامح من نظرتين متعارضتين تماما لرؤية العالم: من جهة هناك
النظرة الليبرالية المؤوربة بروحها الداعية إلى المساواة، والني كانت تتمركز وتتجسد في المطروبوليس، ومن جهة أخرى النظرة الضيقة التقليدية، الإقليمية والمتمسكة بإيمانها الديني والتي تعارض أحيانا بتعصب شديد كل فكرة جديدة يمكن أن تحدث آي تغيير في اعتقاداتهم المحترمة ،ثم بالإضافة إلى عدم التسامح يعالج غالدوس في هذه الرواية أيضا موضوع النفاق. فقد أحس الكاتب أن الحياة الاجتماعية لإسبانيا يسيطر عليها النفاق وحاول أن يكشف ذلك، لذا لم تكن السيدة بيرفيكتا هجوما على عدم التسامح فقط، بل كانت أيضا مثالا على كيفية تحكم النفاق في السلوك وإخفائه إرادة السيطرة خلف مظهر من الوداعة الزائفة. يقول الكاتب عن السيدة بيرفكتا حين توشك الرواية على الانتهاء: “كانت أستاذة في السيطرة ولا أحد كان يجاريها في فن التحدث باللغة التي تناسب كل أذن “. إنه النفاق في خدمة إرادة القوى. ويختم غالدوس الراوية بهذه العبارة: “انتهى هذا. هذا كل ما يمكن أن نقوله عن الاشخاص الذين يبدون فضلاء وليسوا كذلك “