التقيتُ في زيارة لأمريكا قبل ما يزيد عن سنة مع ممثل جبهة البوليزاريو بواشنطن، السيد محمد بيسط يسلم. وقمنا باجراء حوار مطول، تطرقنا فيه لتفاصيل النزاع، وأنشطة اللوبي الصحراوي واللوبي المغربي ببلد العم سام. لكن الجملة الأقوى التي قالها وبقيت عالقة في رأسي كانت ساعة سألته عن الداعم الأكبر للبوليزاريو في أقوى عاصمة في العالم، فرد بجواب تركني مدهوشا “إنه المغرب واللوبي المغربي بأمريكا”!
هذه الجملة تركت طنينا في أذني، خاصة مع استحضار الأرقام المصروفة على اللوبي المغربي بأمريكا من أموال دافعي الضرائب المغاربة، والذي تجاوز بين سنتي 2007 و2013 ما مجموعه العشرين مليون دولار. وهو رقم ينافس معاملات لوبيات دول البترول الخليجية. وتتنوع نوافذ الصرف، عبر عدة أشخاص وهيئات مغربية رسمية، يبرز من بينها اسم مصطفى التراب، مدير المكتب الشريف للفوسفاط.
يفترض أن يروج هذا اللوبي رسميا الى النموذج المغربي ثقافيا وسياسيا، لكن الظاهر بناء على شهادات استقيتها من أعضاء كونغريس، بعضهم يحسب على أصدقاء المغرب، ونشطاء جمعيات وموظفي المجتمع المدني، أن اللوبي المغربي لا يتحرك فعليا إلا عندما يتعلق الأمر بموضوع الصحراء.
لكن يبقى السؤال هو كيف يكون ذلك اللوبي رغم كل تلك الأموال التي تصرف عليهم، أكبر داعم لعكس وجهة النظر الذي يفترض أن يدافع عنها؟! الأمر ليس معقدا، إنه درس في كيف يتمكن البعض، بقدرة خرافية، من إذاية أنفسهم، بتراكم من الأخطاء، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
“إنهم يساعدوننا ويفتحون لنا الأبواب ويوفرون لنا الفرص بأشد مما يخطر على بال أحد” أجاب بيسط يسلم. تراكم من الأخطاء يجعل أي مجموعة صغيرة في المقابل، تتوفر على فرص للرد والدفاع والهجوم أيضا بدون حتى الحاجة الى الأموال الطائلة.
أسس اللوبي المغربي بأمريكا، كما فعلت العديد من القنصيات والسفارات حول العالم، جمعيات وهيئات ودور للمغرب، حديثا، لا نشاط ثابت لها إلا تقديم الخدمات ونقل أجواء البلاد الى بلدان المهجر، فتنظم الأعراس والحفلات والافطارات الرمضانية ولقاءات لإيجاد العريس- العروس المناسب. ويتم تسمية هذه الجمعيات بأسماء أكبر من حجمها “… للدراسات الاستراتيجية”، “المعهد الأمريكي المغربي…”. وغالبا ما يقودها أشباه أميين، شبيهين بالسماسرة، وتصرف لها الأموال. ويتم تهييجها وتحريك مجموعاتها ساعة يستجد أي جديد في موضوع الصحراء.
هذه المجموعات، المدعومة، والمباركة من السلطة والمصروف عليها من أموال المغاربة، -الى جانب أولئك الذين يدعمونها-، يقومون بسب المختلفين معهم في الرأي، وتهديدهم، بل والاعتداء عليهم جسديا.. أمام الجميع، فتكبر حجية الرأي المقابل. في الوقت الذي تصرف على مستوى الخطابات والمطبوعات تُصرف أموال ضخمة لاقناع الرأي العام الدولي أن المغرب استثناء ومميز وجميل ويحترم حقوق الانسان وواحة الأمن والسلام بالمنطقة.
الكثير من الذين يفترضون أنهم يدافعون عن المغرب، يظنون أننا ما زلنا في زمن “تخراج العينين” والكذب والبهثان، وذهبت بأحدهم الغفلة والجهل الى ادعاء أن المغرب هو الذي اكتشف امريكا نفسها. ولم يستطيعوا فهم أننا في عصر أصبحت الأخبار تصل للعالم في بضع دقائق، وبالصوت والصورة. لم يعد ممكنا ضرب الناس وإضطهادهم واسكات أصواتهم ثم تدعي أنك بلد للاستقرار والحبور والسلم.
البارحة رأينا كيف اعتدت الشرطة بالضرب على شباب نزلوا قبالة البرلمان لاستنكار جريمة سوء التنظيم، في مشعر منى، والذي راح ضحيته الآلاف من بينهم ضحايا مغاربة. الفيديو العنيف شاهده مليون شخص في يومين حسب مختلف الروابط التي اطلعت عليها الى غاية صباح اليوم. في الوقت الذي ذهب زعماء أحزابنا لاقناع السويد أننا بلد لحقوق الانسان.
قبل البارحة خرجت مسيرة ضد السويد بدعم من الدولة، أتى فيها المقدمين والسماسرة بالمتظاهرين من الأصقاع البعيدة، وتم شحنهم وإطلاق ألسنتهم بالتهديد والوعيد لدولة السويد. وفي الوقت الذي يحاول دبلوماسيونا إقناع السويد أن المجتمع المغربي هو الذي يتحرك في القضية. خرجت فيديوهات تبين أن السلطات المحلية هي التي أحضرت الناس، بدون حتى أن تخبرهم بتفاصيل الوضع.
الدولة المغربية تُكرر أنها دولة السلم والمحبة واحترام الحقوق وأنها قطعت مع التعذيب. حتى إذا كدنا نصدقها أخرجت هراواتها وعصيها وكمامر الويل لتعذيب الناس في الشارع وأمام البرلمان وفلاشات الكاميرات. وهذه ليست ممارسة معزولة، فطيلة السنوات الأخيرة تعاملت الدولة المغربية بعنف شديد مع مختلف الوقفات حول المواضيع الراهنة والأساسية و”الحساسة”.
إن الأمر ينكشف يوما بعد يوم. البوليزاريو وكل الحركات الانفصالية، أو حتى تلك المتطرفة، ستنتعش، وستكبر وتتغول وتربح المساحات نتيجة تراكم الأخطاء من طرف الدولة الهيشة التي تحكمنا. ولن يفاجئني في يوم ما أن أجد يافطة للجبهة أو غيرها مكتوب عليها “البوليزاريو.. تحت الرعاية السامية للدولة المغربية”!