يعتبر أيمن نور من السياسيين الأوائل الذين واجهوا نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير، ويعاني حاليا من سياسة الملاحقة في عهد الرئيس الجديد الجنرال عبد الفتاح السيسي. حاولته الجزيرة نت حول الأوضاع في مصر، مؤكدا أن السجحون وحدت بين الليبراليين والإسلاميين.
نص الحوار:
كيف تقيم مصر خلال عام من حكم السيسي؟
بشكل واقعي، السيسي لم يحكم لمدة عام فقط، بل حكم منذ بداية مسار 3 يوليو/تموز، وهو المسار الذي كان انقلابيا بامتياز. أما عند توليه رسميا موقع الرئاسة، فمرور عام يضعنا أمام تساؤلات كثيرة حول ما تحقق وما لم يتحقق، وإذا كان أول تعهد أطلقه السيسي هو خارطة المستقبل، فالمصالحة الوطنية وتجاوز حالات الإقصاء -التي هي أحد بنود الخارطة- فعل عكسها تماما وذهب إلى أبعد نقطة بعيدا عن ما وعد فيه في وثيقة 3 يوليو، ولم تشهد مصر حالة من حالات الإقصاء مثل الحالة التي شهدتها منذ ذلك التاريخ.
كذلك مصر لم تشهد حالة من حالات الانغلاق على حرية الإعلام بقدر ما شهدته خلال هذا العام.. مصادرة صحف، إلغاء تصاريح قنوات فضائية، التشويش على قنوات في الخارج، عداء شديد لفكرة الإعلام الحر مثل ما حدث مع الجزيرة.
أضف إلى ذلك أن السيسي أعطى انطباعا في بداية توليه المسؤولية أنه رجل دولة لكن هذا تبين أنه غير صحيح، بل كان رجلا يدير صراعا داخل الدولة العميقة، وهو طرف منها، والدولة ليست كلها إلى جانبه، بل بعد سنة هدم تحالفاته الإقليمية بفعل مواقف بعضها ينم عن قلة الخبرة، أيضا هدم تحالفاته الداخلية بعدما دخل في معارك جانبية أبرزها ما حدث مع رئيس حزب الوفد سيد البدوي ونجيب ساويرس.
هدم أيضا تحالفه مع نظام مبارك، وكذلك مع شباب الثورة الذين أصبح معظمهم في القبور أو في السجون.
المصالحة ليست مصالحة بين السيسي ومرسي ولا بين الإخوان والجيش، لأن الصراع ليس أيديولوجيا، ولا هو أزمة بين الليبراليين والإسلاميين، بل نحن نعيش أزمة مجتمعية شاملة، ننقسم بين الانحياز للديمقراطية ولثورة يناير، أو الانحياز ضد الديمقراطية وضد ثورة يناير.
كيف تفسر التناقض في المسار بين وعود المصالحة مقابل تبرئة أركان النظام السابق وتشديد الأحكام على الإخوان المسلمين؟
السيسي استخدم القضاء المصري بشكل غير مسبوق وأساء لصورة العدالة في مصر التي أصبحت منطفئة بفعل التدخلات السياسية، وأصبحت العدالة سياسية تنتقي مواقفها ولا تحكم بميزان واحد، الميزان الحقيقي هو مواقف الذي ارتكبوا الأفعال.
أحكام الإعدامات الجماعية سابقة يرفضها الضمير الانساني، أولا لأنها ليست وليدة محاكمات عادلة، وبعضها صدر عن القضاء العسكري الاستثنائي، ومعظمها صدر في حالات استثنائية من الاضطراب القانوني الذي يسود مصر.
كيف قرأت الحكم على مرسي؟ وما تداعيات تنفيذه؟
المسار هذا غير مطمئن، وما يزيد عدم الاطمئنان هو ما حدث بشأن إحالة أوراق الدكتور مرسي و120 آخرين إلى المفتي لإبداء الرأي، وبعد 15 يوما أصدر المفتي رأيه الذي لا نعرفه حتى الساعة.
هذا يعني أن المفتي استطاع أن يراجع قرابة عشرة آلاف صفحة ويبت في حالة 120 حكما منفصلا بالإعدام، وأن يكتب 122 فتوى في 122 حالة يحدد مصيرها بين الحياة والموت، ويرسل كل هذا خلال 15 يوما إلى المحكمة.
هذا تصرف عبثي، ولو أن المفتي متفرغ ويعمل 12 ساعة يوميا خلال الخمسة عشر يوما، هذا يعني أنه خصص لكل حالة أقل من 88 دقيقة ليحدد مصيرها بين الحياة والإعدام، هذا يعطي انطباعا بعبثية المشهد بأكمله، وأننا لسنا أمام قضاء يبحث عن الحقيقة.
أوجّه رسالة إلى كل شباب الثورة والقطاعات التي تنحاز إلى الديمقراطية أن تنبهوا بأن السيسي يريد أن يجرّ مصر إلى بحيرة من العنف والدماء، ومساره هو محاولة لجر الجميع إلى ملعبه وهو ملعب العنف، وأنا أؤمن إيمانا يقينيا أن لا مسار غير السلمية، وسلمية ثورتنا هو الضمانة لانتصار وشيك.
كيف تفسر سيطرة السيسي على المؤسسة العسكرية والقضاء والشرطة والإعلام، إضافة إلى الأزهر والكنيسة؟
سيطرة السيسي معقدة لأنها شهدت تدخلات إقليمية لها علاقة بالنفوذ والمال، إضافة إلى أخطاء وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين، لكن أشك أنه ما زال مسيطرا.
الجيش ليس السيسي وليس هو المجلس العسكري، والكنيسة المصرية ليست هي البابا، والأزهر ليس هو شيخ الأزهر، والإعلام ليس أحمد موسى وتوفيق عكاشة، والقضاء ليس أحمد الزند.
هناك ثغرات حدثت هبت منها رياح عاتية أعطت انطباعات غير صحيحة بأن هذه المؤسسات أصبحت في جيب السيسي، وهذا اختزال مخل بالحقيقة وعلى الجميع أن يفهم أن مصر أكبر بكثير من الاستقطاب الذي دفعنا إليه خلال العامين الماضيين، والمؤسسات سنحافظ عليها في وجود السيسي وبعد رحيله الذي ليس بعيدا.
ماذا عن مبادرات المصالحة التي تقودها جهات خارجية مثل منصف المرزوقي وغيره؟
المصالحة هي استحقاق وطني ينبغي أن يبدأ وينتهي في مصر، لكن لنكن واقعيين، هذه الأزمة لم تكن داخلية بل إقليمية بامتياز، والدور الإقليمي كان واضحا منذ البداية، وبالتالي أصبحت حلحلة الأزمة مرتبطة بدور إقليمي.
منذ فترة ننادي على العقلاء، وتحديدا بعد التغيرات في مواقف السعودية إذ بدأنا نشعر أن هناك مواقف أكثر اعتدالا في الإقليم. استجاب لهذه الدعوات بعض رموز الأمة العربية، في مقدمتهم الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، الذي أطلق -من خلال المجلس العربي للدفاع عن الثورات العربية- مبادرة بدعوة لتشكيل لجنة حكماء.
بعدها بأيام قليلة تحدث الدكتور راشد الغنوشي بأنه يسعى أن يكون له دور في المصالحة، وأوجه دعوة لبعض الرموز المهمة أمثال: الفريق سوار الذهب من السودان، والأخضر الإبراهيمي من الجزائر، وشخصيات من المغرب والأردن ولبنان تستطيع أن تجتمع كلجنة حكماء لتسوية بعض الصراعات والأزمات الموجودة في العالم العربي.
هذه المبادرة إذا ما تمت سيكون لها شأن كبير في تحريك عجلة المصالحة الوطنية المصرية، وهي ليست مصالحة مع السيسي، بل وطنية لا تستبعد أحدا ولا تقصي أحدا، وهي واجبة لحقن الدماء وخروج مصر من هذا النفق المظلم الذي يدفعنا السيسي إليه.
هل سيعتمد التغيير في مصر على الحراك الداخلي أكثر أم على الضغط القادم من الخارج؟
الحراك الداخلي هو الأساس، ولا قيمة ولا معنى لأي جهد خارجي من غير حراك حقيقي على الأرض، ونثمن الحراك المستمر منذ أكثر من عامين بشموخ ودون توقف رغم كبر التضحيات وصعوبتها ومرارتها والعنف الذي تعرض له الشباب، والسجون لم تفرق بين إسلاميين وليبراليين.
هناك رؤية واضحة في هذه المرحلة بين كل قوى ثورة يناير أن تستعيد لحمتها، وهناك إشارات إيجابية سنعمل على بلورة إطار وثيقة وطنية جامعة تدعم ثورة يناير والحوار في الشارع المصري، وتدعم أيضا المسار السياسي. ولا أرى أن هناك تناقضا بين الحراك الثوري والحراك السياسي وكلاهما يؤدي إلى عودة المسار الديمقراطي إلى مصر.
ماذا عن عامل الوقت؟
تأخر الوقت لمصلحة السياسي نظريا، لكن عمليا الرجل ينزف كل يوم من رصيد شعبيته، ومصر تعيش اليوم في أسوأ حالة اقتصادية، والمواطن المصري يتحمل أعباء مرهقة، كل هذا يخصم كثيرا من رصيد السيسي وهو ادعى أن تحالفاته الإقليمية ستنقذ مصر اقتصاديا، وتبين أنها تنقذ فئة بعينها من النخب الحاكمة وليس الشعب المصري. بدأ الشارع المصري يكتشف هذه الحقائق يوما بعد آخر، وهذا يعطي انطباعا أن الوقت في غير صالحه.
متى ستعود إلى مصر؟
أنا خرجت بعد أن طلب السيسي تفويضا بمواجهة إرهاب محتمل.. الرجل جاء ليواجه إرهابا محتملا، ولكن بفضل وجوده وبعد سنة من حكمه أقول أن الإرهاب المحتمل تحول إلى إرهاب حقيقي.
عندما طلب التفويض استشعرت أن هناك أزمة حقيقة مصر مقبلة عليها، وشعرت أن دوري في الداخل غير مقبول لأنني أمثل تيار العقلانية والوسطية في زمن كان الاستقطاب هو العنصر الرئيس.. أنت إما “مع” بوقاحة شديدة أو “ضد” بوقاحة شديدة.
ستمر خروجي قرابة السنتين ولم أكن أعتقد أنه سيطول هكذا، وكان لدي مشروع للعودة بعد الانتخابات البرلمانية، لكن السيسي ظل يؤجل الانتخابات وأنا أؤجل عودتي انتظارا لانتهاء الانتخابات التي أقاطعها ولا أقبل بها.
أضف إلى ذلك أني فوجئت أن السفارة المصرية في لبنان رفضت تجديد جواز السفر الخاص بي ومدته تنتهي خلال شهور قليلة، في الوقت نفسه، القانون المصري يلزم السفارة أن تجدد الجواز.
رفعت دعوى ستنظر الشهر القادم، وأعتقد أن الحق إلى جانبي وسأحصل على حكم، لكنني لا أفهم لماذا يمنعني السيسي من حقي في السفر والتنقل والعودة إلى بلدي، لم يعد قرار العودة قراري رغم أنه كان لدي رغبة شديدة، لكن القرار التعسفي يحول دون حقي في التنقل والعودة إلى بلدي.
لن أطلب لجوءا سياسيا في أي بلد، لم يحدث هذا ولن يحدث، ولن أتخلى عن جنسيتي المصرية، لكن أريد أن يبقى في يدي حقي الدستوري في أن أبقى وأعود في الوقت الذي أحدده.
لم يحدث أن تلاعبت السلطات المصرية في حق الإنسان في الحصول على وثيقة تثبت جنسيته. وبالمناسبة، القرار هذا جاء مباشرة بالصدفة مع حديث دعيت فيه السيسي إذا عدّل الدستور لتوسيع صلاحياته بأن يجري انتخابات رئاسية مبكرة، لأنه انتخب على أساس صلاحيات معينة.
وأنا قلت إنه من الوارد أن أخوض الانتخابات الرئاسية بقرار حزبي إذا توافرت شروط ديمقراطية لانتخابات رئاسية، لأن ما حصل عام 2014 كان انتخابات عبثية. لكن السيسي بكل الأحوال لن يقدم على هذه الخطوة لأنه لا يعرف معنى الانتخابات، ولا يعرف غير أن يتولى السلطة بغير جهد حقيقي عبر الأليات الطبيعية للوصول للسلطة. هو منذ البداية اختار مسارا معينا وسيبقى عليه.