رغم مرور أربع سنوات على بداية الحرب في سوريا لا توجد نهاية لأعمال القتل والانتقام. وظهور ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” جعل الصراع أكثر تعقيدا. وكثيرون فشلوا، وليس المجتمع الدولي فقط، حسب رأي الخبير الألماني راينر زوليش.
الأرقام مخيفة ومقلقة، فقد أودت الحرب السورية بحياة أكثر من 210 آلاف نفس، بينها أنفس عشرة آلاف طفل، استهدف القناصون عددً غير قليل منهم. ومن بين 23 مليون نسمة هو كل عدد السوريين، فر نصفهم من البلاد. وهناك ما يقرب من عشرة ملايين شخص ليس لديهم ما يكفي من الطعام، وأكثر من 11 مليونا بحاجة ماسة للحصول على المياه النظيفة. كما أن عددً كبيرا من الناس إما جرح أو بتر جزء من جسمه، أجيال بأكملها أصابتها صدمة ستستمر عقودً.
والمجتمع الدولي؟ المجتمع الدولي ينظر بتقاعس إلى حد بعيد، بينما تتواصل عمليات القتل والتشريد في سوريا منذ أربع سنوات. ولن يتحسن الوضع، وسيصير أكثر تعقيدا، وسيزداد سوءً بالنسبة المتضررين.
آلة القتل على كلا الجانبين
وبالإضافة إلى معسكر نظام الديكتاتور بشار الأسد، وحلفائه في طهران وموسكو وحزب الله اللبناني، تأسست وترسخت منذ فترة طويلة آلة قتل بنفس القدر على الجانب الآخر من خط الصراع، بوجود ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة مثل “جبهة النصرة”. وتعتمد “الدولة الإسلامية” على ممولين أقوياء في تركيا ودول الخليج، وتقوم بذبح خصومها والمدنيين وتصور المشاهد البربرية لذبح البشر وتعرضها للمجتمع الدولي بأسره، في استغلال غادر لوسائل التواصل الحديثة. وفي ظل هذا يتكرر الآن كثيرا التغاضي عن “البراميل المتفجرة” التي يلقيها نظام الأسد، والأعمال الوحشية بنفس القدر التي ترتكبها الميليشيات المتحالفة معه ضد المدنيين، والتي تتحمل وزرً تزايد أعداد القتلى.
وكان أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة، على حق عندما تحدث عن “أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا”، كما كانت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان محقة أيضا عندما تكلمت عن “فشل المجتمع الدولي”. وهذا فشل لنا جميعا، سواء كنا نعيش في ألمانيا أو وروسيا أو الولايات المتحدة أو في إيران أو السعودية. لأن كل حكوماتنا، التي ربما يمكنها أن تفعل شيئا – مثل الوساطة الجدية أو حتى التدخل عسكريا- لا تفعل شيئا، لأن لديها مصالح سياسية أو اقتصادية خاصة في المنطقة، أو لأنها تخشى من أن يؤدي التدخل إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة للشرق الأوسط أو حتى بالنسبة للسياسة العالمية. ومن المخزي بصفة خاصة أنه لم يتم الوفاء بوعود تقديم المعونات الدولية، وأن ينظر أجزاء من الشعوب، وخصوصا في البلدان الأوروبية، إلى اللاجئين السوريين نظرة رفض، لأنهم يشكلون عبئا اقتصاديا أو “ثقافة أجنبية”، حسب وجهة نظرهم.
تقاعس مخزٍ
ليس من الخطأ، أن يقول العديد من الخبراء إن ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة كان يجب أن تُدْعَم بالأسلحة مبكرا. وربما كان ذلك الصراع سيسير بشكل مختلف، لكن هذا ليس مؤكدا. فالمجلس الوطني السوري وما يسمى بالجيش السوري الحر، أصبحا بلا أهمية على نحو متزايد، ولا يمكن مساواتهما إجمالا مع القتلة من معسكر النظام و”الدولة الإسلامية” بأي حال من الأحوال. كما أن القوى المعتدلة والحكيمة، التي تملك رؤى سياسية خالية من الكراهية والطائفية، لم يتم دعمها في الواقع بما فيه الكفاية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. لكنها أيضا فشلت من الناحية السياسية. حيث فشلت خصوصا في ضم قدر كاف من العلويين والمسيحيين الذين يعيشون في سوريا لصالح انتفاضتهم لأجل سوريا الديمقراطية.
الأسد كـ”أهون الشر”؟
العديد من قوى المعارضة المعتدلة أيضا لم تنأ بنفسها بعيدا في وقت مبكر، وبوضوح كاف، عن الكراهية الطائفية لـ”الدولة الإسلامية”، وإنما اعتبرتها، ولفترة طويلة جدا، حليفا تكتيكيا ضد الأسد. وبهذا تتحمل قدرا من المسؤولية عن تقوية شوكة “الدولة الإسلامية”، وكذلك الأسد نفسه، الذي تعمد ذلك منذ البداية أيضا: فالديكتاتور كَفَّ يد قواته عن الجهاديين في البداية؛ لأنهم كانوا يخدمون أغراضه، فمن خلال مساعدتهم فقط استطاع أن يوفر “الدليل”، الذي كان يحتاجه لأجل أن يواصل الكثير من العلويين والمسيحيين وحتى بعض السنة البقاء تحت “حماية” نظامه. واستطاع بفضل “وحش الدولة الإسلامية”، الذي انتشر فعلا بسببه بطريقة غير مباشرة، أن يجعل الآن بعض المراقبين في الغرب يطرحون سؤالا عما إذا كان من الممكن أن يقود الأسد معركة حتمية ضد الإرهاب، أم لا – أو على الأقل بأن ينظر إليه على أنه “أهون الشر “.
ليس هو إطلاقا، فالأسد ليس أفضل من القتلة في تنظيم “الدولة الإسلامية” بأي حال من الأحوال. وإنما هو على الأكثر من تسبب بداية في التصعيد قبل أربع سنوات، عندما أمر بإطلاق النار بوحشية على المتظاهرين السلميين، الذين كانوا يحتجون لأجل سوريا ديمقراطية.
السوريين أنفسهم فشلوا أيضا
لم يفشل في سوريا المجتمع الدولي فقط وإنما فشل أيضا السوريون أنفسهم أو قياداتهم السياسية والاجتماعية وممثلوهم. فكلهم جميعا انغمسوا في المناورة، أعمق وأعمق، في صراع دموي، أصبح بسبب الأحداث في العراق والتأثير المستهدف من منطقة الخليج وأنقرة وطهران الآن مشحونا دينيا لدرجة أنه لم يعد يتصور كيف سيستطيع السوريون من جديد أن يعيشوا في دولة نظامية كما كانوا من قبل.
كانت سوريا حتى قبل أربع سنوات، بلدا رائعا متعدد الثقافات، تحكمها دكتاتورية وحشية. هذا البلد لم يعد موجودا. والسوريون أنفسهم دمروها بمساعدة الحلفاء الأجانب، وسمحوا بأن يكبر أطفالهم في مناخ من الكراهية والموت والعنف، يهدد باستحالة أي تسوية مجتمعية على مدى أجيال. أما بقية العالم فتواصل الفرجة.