شهدت الأوروغواي يومه الأحد انتقالا للسلطة على مستوى الرئاسة بتفويت خوسي موخيكا المنصب الى الرئيس الجديد تاباري باسكيث، ولقي الحدث اهتماما دوليا بطبيعة الرئيس المنتهية ولايته موخيكا لدوره في تحقيق قفزة نوعية لهذا البلد النموذجي في أمريكا اللاتينية حيث انتقل الى مصاف الدول الإسكندنافية.
ولا يسمح دستور الأوروغواي بولايتين رئيسيتين متتاليتين، ولهذا، لم يترشح خوسي موخيكا للرئاسة رغم ارتفاع دعوات سياسية بتعديل الدستور في البلاد لكي يتقدم للمرة الثانية على شاكلة ما أقدمت عليه دول في المنطقة قام بتعديل دستورها مثل الإكوادور وفنزويلا.
ويعود تاباري باسكيث للسلطة الذي سبق له شغل هذا المنصب في الماضي، لكنه لم يحظى بالاهتمام الكبير بقدر ما تم التركيز على الرئيس المنتهية ولايته لأسباب متعددة مرتبطة بترجمته لقيم إنسانية في الحكم. ولعل على رأس هذه الأسباب هو الصفة التي يحملها خوسي موخيكا بأنه أفقر رئيس في العالم، حيث تخلى عن القصر الرئاسي ويعيش في منزله المتواضع في ضواحي العاصمة وبميزانية لا تتعدى ألف دولار شهريا.
وتكتب الصحف أنه راتبه طيلة السنوات التي عمل فيها رئيسا ببلاد وصل الى 440 ألف دولار، وقد تبرع ب400 ألف لصالح أعمال خيرية ومنها المساهمة في بناء منازل للشبان وعاش بأقل من ألف دولار دون اعتماده نهائيا على ميزانية القصر الرئاسي. ولا يوجد في حسابه البنكي أكثر من مئات من الدولارات وتتحدث الصحافة عما يناهز 500 دولار فقط بالعملة المحلية وليس الأمريكية.
وتوجد مقالات وبرامج متعددة حول تقشف الرئيس ومنها جريدة القدس العربي الذي قالت عن زهده أنه يقارب الخليفة عمر عبد العزيز (عدد 2 ديسمبر 2014)، إلا أن الملفت للانتباه بالنسبة لهذا الرئيس هو النقاش الذي يطرحه في أمريكا اللاتينية في الوقت الراهن حول السياسي أو الرئيس المناسب لهذه الفترات الانتقالية التي تعيشها المنطقة.
وشهدت منطقة أمريكا اللاتينية منذ بداية القرن الواحد والعشرين نوعين من الزعماء بكاريزما قوية للغاية شغلت الراي العام المحلي والدولي. ويتجلى الصنف الأول في الرؤساء الثوار ويتزعمه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيس، وينتمي للمدرسة نفسها زعماء مثل رافائيل كوريا رئيس الإكوادور وإيفو موراليس من بوليفيا. والصنف الثاني من الزعماء مثل رئيس البرازيل السابق لولا دا سيلفا ورئيس الأوروغواي المنتهية ولايته خوسي موخيكا.
وإذا كان الصنف الأول قد طبع أمريكا اللاتينية بطابع خاص ومنحها شخصية سياسية جديدة لكنه لم يحقق وحدة وطنية جديدة، فالصنف الثاني يتجاوز تأثيره الأول لأنه يقوم بثورة هادئة على كل المستويات وفي إطار وحدة وطنية. وفي هذا الصدد، أرسى موخيكا أسس وروح الإنصاف والعدالة سياسيا واجتماعيا الى مستويات يجعل المراقبين يعتبرون الأوروغواي بمثابة دولة اسكندنافية وسط أمريكا اللاتينية.
وتكتب عنه جريدة إكسلسيور من المكسيك في عدد يوم الاثنين “موخيكا من الرؤساء النادرين، يختلف عن باراك أوباما وفلادمير بوتين وكاريسماته لا تضاهى”.
والسر في زهد موخيكا في جمع الأموال وكذلك احترامه لحقوق الإنسان هو أنه كان مناضلا وثوريا من أجل حقوق الإنسان، وعاش حياة تقشف طيلة حياته ويدرك معاناة الفقراء، ولهذا بقي على حاله ووظف كل موارد الدولة بما فيها راتبه لمحاربة الفقر وإرساء ثقافة احترام حقوق الإنسان.