نشر صندوق النقد الدولي تقريرا جديدا لتقييم الاقتصاد المغربي، وأشاد بإجراءات الحكومة وتكهن بنمو اقتصادي للسنة 2015 يقارب 4،5% ولكنه ربطه بإصلاحات جذرية ومنها محاربة الفساد في مناخ الأعمال وإصلاح نظام التقاعد. لكن التقرير لا يشرح كيف يتحدث عن نمو مرتفع في ظل تحول المغرب الى أكبر الدائنين في إفريقيا والعالم العربي.
والتقرير المنشور في موقع صندوق النقد الدولي في شبكة الإنترنت يحمل اسم “الاقتصاد المغربي على المسار الصحيح”، حيث يؤكد خبير من البنك وهو فرانسوا دوفان رئيس بعثة الصندوق للمغرب أن الاقتصاد المغربي قد يحقق خلال السنة الجارية 4،5% من النمو وقد يرتفع الى أكثر من 5% خلال السنة المقبلة والتي تليها. ويركز التقرير كثيرا على تراجع أسعار النفط وكيف يستفيد المغرب في تديل الخلل الذي كان في ميزانه التجاري وكيف ينعكس ذلك إيجابا على النمو وعلى الإنتاج القومي الخام.
في الوقت ذاته، يربط التقرير هذا النمو في الصفحة التاسعة بضرورة إنتاج زراعي مستقر وتحديث هذا القطاع وارتفاع الصادرات وتوسع الشركات في الخارج واستثمارات عمومية وتطوير القدرات البشرية واستقرار التضخم عند 2%.
لكن صندوق النقد الدولي يربط نمو الاقتصاد المغرب بعوامل متعددة، ويرسم لوحة لهذه العوامل في الصفحة 12، وأبرزها أن تباطئ النمو في الاقتصاديات المتقدمة ومنها دول الاتحاد الأوروبي سينعكس سلبا على الاقتصاد المغربي. ويطالب هنا بإصلاحات هيكلية للاقتصاد المغربي.
وإذا كان انخفاض البترول قد انعكس إيجابا على الاقتصاد المغربي، فالتقرير يؤكد أن حصول أي أزمة في الشرق الأوسط ومنها ارتفاع الفوضى السياسية سيؤدي الى ارتفاع أسعار النفط وسينعكس سلبا للغاية على نمو الاقتصاد المغربي. ويحث التقرير المغرب على تنويع مصادر الطاقة.
وينتقل الى أزمة أخرى تهدد الاقتصاد العالمي وهي أزمة أوكرانيا التي في حالة انفجارها بشكل أكبر ستمتد الى مختلف الدول ومنها الأوروبية التي تعتبر الشريك الاقتصادي الرئيسي للمغرب. ويعطي احتمالات محدودة لهذا العامل سواء من حيث الانفجار أو تأثيره على المغرب.
وفي عامل آخر، يطرح التقرير احتمال تقييم المؤسسات المالية الدولية من مستثمرين ومقرضين الوضع المالي الدولي، وهو محتمل للغاية، وستكون تأثيراته محدودة على الاقتصاد المغربي.
التقرير يطالب بإصلاح نظام التقاعد وتحسين مناخ الأعمال في البلاد، في إشارة الى محاربة الفساد والرشوة في البلاد التي تعتبر من أكبر العراقيل في نمو الاقتصاد المغربي.
لكنه في الوقت نفسه، يكشف مفارقة الاقتصاد المغربي المتمثلة في التحكم في ما هو ماكرواقتصادي بينما لم ينجح في احتواء انتشار الفقر والتقليل من البطالة طيلة العقد الماضي الذي كان يعرف نموا اقتصاديا مستقرا.
ولفهم أعمق للتقرير، فتقييم صندوق النقد الدولي يقوم على معطيات الحكومة المغربية التي لا تكون عادة دقيقة، وهو ما يفسر لماذا يوجد هامش خطئ في التقييم سنويا يصل أحيانا الى نقطتين، وهي حالة نادرة في العالم. والعالم الثاني هو أن التقرير ينطلق من معطى ذاتي وهو حرص صندوق النقد الدولي على ضمان تأدية المغرب للقروض.
ويركز التقرير بشكل محتشم على انتشار الفقر، لكنه لا يقدم أرقاما حقيقية حول الفقر وحول مستوى الخدمات الصحية وحول مستوى التعليم.
في الوقت ذاته، لا يتحدث التقرير عن أكبر المفارقات في الاقتصاد المغربي وهو كيف يمكن التحدث عن نمو اقتصادي مرتفع في وقت لا تتراجع فيه البطالة، وترتفع المديونية حتى أصبح المغرب على رأس الدول العربية والإفريقية الأكثر مديونية، ثم كيف يستمر المغرب في المركز 130 في التنمية البشرية في تقارير منظمة الأمم المتحدة.