تشهد أمريكا اللاتينية ومنذ سنوات صراعا دينيا إسلاميا بين إيران والعربية السعودية، وتنضاف الآن دولة جديدة وهي تركيا التي احتضنت مدينتها إسطنبول قمة تركيا-زعماء الإسلام في أمريكا اللاتينية والصراع يتخذ أبعادا استراتيجية بسبب ارتباطه الوثيق بأجندة الدول الثلاث لتعزيز نفوذها، وهي تقلق كثيرا الكنيسة الكاثوليكية والإنكليكانية علاوة على دول غربية مثل الولايات المتحدة.
ومنذ عقود، تولت العربية السعودية نشر الإسلام وبناء مساجد في عدد من دول أمريكا اللاتينية بحكم أنها الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي تمتلك موارد مالية هائلة. لكن الهيمنة السعودية أصبحت ضعيفة بعد اقتحام إيران المشهد الديني في أمريكا اللاتينية مقدمة الدعم لعدد من التجمعات الإسلامية ومستغلة التواجد اللبناني والسوري التاريخي في المنطقة. في الوقت نفسه، يتراجع نفوذ السعودية في المنطقة بحكم الموقف المسبق لمسلمي أمريكا اللاتينية أو الراغبين في اعتناق هذه الديانة من المذهب الوهابي الذين يعتبرونه مسؤولا عن نشر التطرف والإرهاب في العالم.
ومن العوامل التي ساعدت إيران على التغلغل في وقت وجيز أن دول المنطقة لا تفرض قيودا على نشر أي ديانة، وفي الوقت نفسه، استغلت طهران التنسيق السياسي القوي مع الأنظمة اليسارية التي تسيطر على أمريكا الجنوبية وأنهت سيطرة الليبرالية المتوحشة، وهي الأنظمة التي ترفض التنسيق مع العربية السعودية لأنها تعتبرها تدور في فلك الولايات المتحدة.
ووسط الصراع الثنائي الذي من مظاهره إنشاء إيران قناة تلفزيونية باللغة الإسبانية “هسبان تيفي” وإنشاء الرياض قناة باللغة الإسبانية “قرطبة” موجهة الى مسلمي والرأي العام الناطق بالإسبانية، تعلن تركيا دخولها غمار التنافس الديني.
وأعلنت تركيا عن استراتيجيتها في قمة تركيا-زعماء الإسلام في أمريكا اللاتينية التي احتضنتها إسطنبول خلال منتصف الشهر الجاري. ولقيت القمة اهتماما بسبب تصريحات الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان الذي قال باكتشاف المسلمين القارة الأمريكية، لكن الاعلام لم يركز على ما هو جوهري في اللقاء وهو الاستراتيجية التركية لدعم نفوذها ودعم الإسلامي في أمريكا اللاتينية.
وينطلق أردوغان من التراث العثماني في أمريكا اللاتينية، حيث كانت الخلافة العثمانية تنشر هذه الديانة في أمريكا اللاتينية الى مستوى أن كلمة “توركو” تعني المسلم في أمريكا اللاتينية. وكشف أردوغان عن أجندة تركية خاصة في أمريكا اللاتينية حيث سيزور عددا من الدول وسيهتم بشؤون المسلمين في هذه المنطقة.
وتعتبر الدبلوماسية الدينية من أهم ركائز الدبلوماسية التركية عموما، وخاصة في إفريقيا والآن تنقل التجربة الى أمريكا اللاتينية. ونجحت في وقت وجيز في تأكيد حضورها في القارة الإفريقية من خلال القمة التركية-الإفريقية في إسطنبول سنة 2008 وخلال القمة الأخيرة ما بين الثلاثاء والجمعة الماضيين في دولة غينيا إيكواتوريال.
ويوجد في أمريكا اللاتينية 80 مسجدا و50 مركزا إسلاميا، بينما لا يعرف العديد الحقيقي للمسلمين وإن كانت نسبتهم ضعيفة بسبب توقف الهجرة المسلمة للمنطقة خلال الثلاثة عقود الأخيرة ثم غياب نشر الإسلام على شاكلة التبشير الإسلامي.
لكن المنهجية قد تغيرت الآن، إذ بدأت المراكز والمساجد تنشر الإسلام في المدن والقرى، وهنا يحضر التنافس والتمويل الإيران والسعودي والتركي. وهذا التنافس بدأ تدريجيا يأخذ بعدا تنافسيا سيشتد مستقبلا.
ورغم الطابع السياسي والاستراتيجي لتركيا الرامي الى تعزيز نفوذها، إلا أن بعض مسلمي المنطقة يرحبون بالوافد الجديد بسبب مواقف الغرب الذي يرى في الإسلام التركي نموذجا بعدما نجح الأتراك في التوفيق بين الإسلام والديمقراطية.
ورهان الدول الإسلامية على أمريكا اللاتينية يقلق كثيرا الكنيسة المسيحية التي تعتبر أمريكا اللاتينية من أكبر خزانات المسيحيين في العالم. في الوقت ذاته، لا تنظر دول ومنها الولايات المتحدة التواجد الإيراني بعين الرضا، والآن تواجه تواجدا آخر وهو التركي.