هل تحاول الإمارات لعب دور أكبر من حجمها؟

سلاح الجو الإماراتي الذي شارك في ضرب متطرفين في الإمارات والعراق

درجت الإمارات أكثر من 80 منظمة إسلامية في قائمة الإرهاب الخاصة بها في خطوة أثارت الكثير من الجدل. وقبلها ساهمت بالدعم المالي والعسكري لأطراف في مناطق متوترة. فماذا تغير في سياسة الإمارات وما هو الدور الذي تريد أن تلعبه؟

طيلة عقود تمكنت الإمارات العربية المتحدة من صنع صورة البلد الرائد في المجال الاقتصادي من خلال العمل على تطوير مجالات التجارة والمال والسياحة والعمران، لتصبح نموذجا عربيا فريدا وقبلة للكثير من الأجانب. لكن ومنذ اندلاع أحداث ما سمي بالربيع العربي بدأت هذه الدولة تتخذ مواقف من الأحداث السياسية المتسارعة التي عرفتها المنطقة. ذلك أنها بدأت تتدخل سياسيا وعسكريا وماليا في عدة بلدان عربية قبل أن تحذو حذو السعودية التي اختارت التصعيد مع قطر وجماعة الإخوان المسلمين. وانتهى بها المطاف بنشر قائمة طويلة للمنظمات الإرهابية، لتثير الكثير من الانتقادات والجدل.

دور جديد؟

وقبل لائحة الإرهاب التي نشرتها، اتخذت الإمارات خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة بدا معها أنها تسعى إلى تطوير حضورها السياسي إقليميا. فقد دخلت على الخط في الحرب الدائرة في سوريا بالإضافة إلى الصراع في ليبيا والتحالف ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والانضمام للحلف المعادي لجماعة الإخوان، فماذا تغير في سياسة الإمارات؟

هذا السؤال يجيب عليه رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، بالقول “كل دولة تتطور مع مرور الوقت. الإمارات دولة حديثة العهد نسبيا، إذ نالت استقلالها منذ أقل من ستة عقود. ومن الطبيعي أنه كلما تطورت القدرات الاقتصادية لدولة ما، ازداد وزنها سياسيا وعسكريا. التطورات التي شهدتها السياسة الإماراتية مؤخرا تناسب مكانتها الحالية خاصة بالنظر إلى التطورات التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة”.

لكن الخبير المغربي في العلاقات الدولية حسين مجذوبي يخالفه الرأي، إذ يعتبر أن الإمارات تحاول أن تلعب دورا سياسيا وعسكريا وأمنيا في الخليج لا يتناسب مع دولة بحجم الإمارات وعدد سكانها الصغير. سبب آخر يضيفه الخبير المغربي هو أن “الإمارات ليس لديها وجود كبير في المحافل الدولية ولا تجمعها اتفاقيات مهمة مع تكتلات دولية كبيرة كالاتحاد الأوروبي مثلا”.

حذر أم مغامرة؟

اللائحة التي نشرتها الإمارات شملت من جهة تنظيمات متطرفة ومسلحة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. ومن جهة أخرى، تنظيمات سياسية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى تيارات عسكرية وسياسية تنشط ضد النظام في سوريا ومنظمات إسلامية دولية حاصلة على تراخيص الدول التي تعمل بها.

خطوة طالتها انتقادات من دول غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بسبب إدراج منظمات إسلامية تعمل داخل أراضيها وتتعامل معها في هذه اللائحة. ويعلق رياض قهوجي على خطوة الإمارات قائلا: “كل دولة تحدد المنظمات الإرهابية التي ترى فيها خطرا عليها. قد يكون لدى الإمارات أدلة على تورط هذه المنظمات في دعم تنظيمات أو حركات إرهابية أو ارتكاب أعمال خطيرة. هو قرار سيادي ولكل دولة حرية تحديد مصادر الخطر عليها حسب تقييمها الذاتي، والإمارات ليست أول دولة تفعل ذلك”.

صحيفة القدس العربي اعتبرت في افتتاحية لها نشرت قبل أيام أن القرار الإماراتي يأتي في ظرف حرج جداً تعيشه منطقة الخليج العربي. ولعل من أهدافه الجانبية محاولة عرقلة جهود الكويت لحل الإشكاليات الخليجية العالقة. وذلك على ما يبدو في سعي إلى إفشال القمة الخليجية في قطر، حسب تعبير الصحيفة.

ورغم أن الإمارات لم تشهد حتى الآن أي هجوم أو عمليات منسوبة لهذه التنظيمات داخل أراضيها ولا تواجه تهديدا مباشرا، إلا أن قهوجي يرى أن أفضل طريقة للدفاع هي الإجراءات الاستباقية، بحيث يقول: “القيادات الحكيمة لا تنتظر أن يصل الخطر إلى عقر دارها، بل تبادر بإجراءات وقائية استباقية لمنع حدوث ذلك”.

لكن الخبير المغربي في العلاقات الدولية حسين مجدوبي يصف قرار الإمارات بأنه خطوة ارتجالية تنم عن افتقاد صناع القرار في هذا البلد لرؤية استراتيجية ناضجة. ويقول: “هي إمارة حديثة ليس لديها إرث ورؤية سياسية عميقة، وهذا ما أثبتته مع قرارها الأخير. وخطواتها فيما يتعلق بالتعامل مع التطورات الحالية مبنية على الارتجال والتجريب”. ويضيف مجدوبي أن الإمارات كان يمكن أن تدرج هذه اللائحة ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية رغم الظروف المعقدة وكان ذلك سيكون أكثر فعالية، لكنها تسعى بخطوتها الفردية هذه إلى خلق مساحة ومكانة سياسية لها في المجتمع الدولي خاصة أنه لا يوجد إجماع عربي على هذه اللائحة. “وربما تحاول الإمارات تكرار تجربة قطر، وهو ما لن يتأتى لها بسبب تغير المعطيات والأوضاع السياسية في الساحتين الإقليمية والدولية”.

انتهاكات لحقوق الإنسان

وفي الوقت الذي تصنف فيه الإمارات وتتهم منظمات بارتكابها أعمالا إرهابية، تواجه هي بدورها اتهامات بانتهاكها حقوق الإنسان، إذ اعتبرت منظمة العفو الدولية أن الإمارات “تخفي وراء وجهها البراق واقعا سياسيا قبيحا”. وأوضحت المنظمة أن أكثر من مائة ناشط سياسي سجنوا وتمت محاكمتهم في السنوات الأربع الماضية، وهو ما يخلق هوة شاسعة بين الصورة الإيجابية التي تسعى الإمارات للترويج لها والواقع المظلم المتسم باضطهاد النشطاء وتعريضهم للتعذيب والإختفاء القسري، حسب المنظمة.

هذا التناقض يراه مجدوبي طبيعيا لأنه يميز الأنظمة العربية وليس الإمارات فقط، على حد تعبيره. ويضيف بالقول: “هي في النهاية لا تختلف كثيرا (عن بقية الدول العربية)، فهي أيضا تفتقر للديمقراطية والتعددية السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. وقامت بالأمس بتمويل حركات إرهابية لإسقاط الأسد، لتعود لمحاربتها اليوم وتصنيفها ضمن قائمتها للإرهاب”.

لكن لقهوجي رأيا مختلفا بهذا الخصوص، إذ يرى أن لكل دولة سياسة في التعامل مع المعارضين داخلها، “وحتى في دول أوروبية نرى أن هناك معاملة معينة لمعارضين خطرين كالنازيين الجدد مثلا، إذ تتم محاربتهم لأنهم غير مرغوب فيهم. في الإمارات المعارضة البناءة لديها صوت. لكن من جهة أخرى الحركات الشمولية التي تهدد النسيج الإجتماعي والأمن الداخلي تحارب بقوة وهذا أمر طبيعي”.

المقال من مصدره: الإذاعة الألمانية

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password