أجمع قياديون يساريون وشيوعيون عرب على أن “اليسار العربي يعيش أزمة حرجة”، عنوانها “التراجع وعدم التكيف مع التطورات الداخلية والدولية”، معتبرين أنهم لم يبرحوا بعد “مرحلة التبشير” في الوقت الذي توجد فيه القوى الدينية في “مرحلة الفعل”، لكنهم اختلفوا حول الموقف من التحالف معها.
جاء ذلك في الجلسة الافتتاحية للجنة المتابعة للقاء اليساري العربي (يضم مجموعة من الأحزاب اليسارية)، اليوم بالعاصمة المغربية الرباط (شمال).
وقال محمد نبيل بنعبد الله وزير الإسكان والسياسة المدينة المغربي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن “اليسار العربي يوجد اليوم في مرحلة حرجة تستلزم أن نعيد النظر بشكل كبير في المقاربات التي اعتمدناها، وأن لا نكتفي بإلقاء اللوم على ما يقع في العالم وما تقوم به الإمبريالية في الاقطار العربية أو فشل ما قامت به الانظمة في هذه الاقطار”.
وأضاف أن “اليسار العربي على العموم في مرحلة تراجع، وعلينا أن نعترف بذلك، ليس فقط بفعل عوامل خارجية بل وكذلك بفعل عوامل داخلية موضوعية وأوضاع أحزابنا وقدرتها أو عدم قدرتها على الفعل”، مشددا على أنه “علينا أن نعيد لفكرة اليسار في العالم العربي وهجها وحضورها كما كانت في فترة ماضية”.
واعتبر بنعبد الله أن ما نتج عن ما سمي بـ”الربيع العربي”، وما لاحظناه، باستثناء بعض التجارب، “هو تراجع كبير لفكرة الديمقراطية والفكرة الانفتاح وللمبادئ التي أمنا بها نحن في أحزاب اليسار”.
وطالب الوزير المغربي، اليسار العربي بأن “يجد الصيغ الكفيلة بأن يتكيف مع ما يقع في كل قطر من الأقطار العربية، ولكي نعطي إمكانية حقيقية لليسار علينا أن نحسن التحليل والتمييز بين مختلف التلوينات والمميزات التي يختلف فيها بعض الأحزاب اليسارية عن بعضها من قطر إلى قطر”.
وأشار بنعبد الله إلى أنه “في كل الأسرة اليسارية التي لها أصول شيوعية نشكل التجربة الوحيدة التي تحالفت في تجربة حكومية مع تيار ينتمي إلى ما يسمى بالإسلام السياسي أي حزب العدالة والتنمية”.
وأضاف أن هذه الموقف “يلقى بعض التفهم عن أصدقائنا اليساريين والشيوعين العرب وغير العرب في بعض الأحيان والتحفظ بل الرفض عن الكثير منهم”، ورأى أن هذا “التحالف الحكومي مرتبط بتصرف الطرف الآخر المتحالف معه، وبالأوضاع الداخلية”.
واعتبر الوزير المغبري أن “الإسلام السياسي لا يمكن أن نضعه في سلة واحدة، ولا يمكن أن نقارن بين “داعش”، وبين بعض التجليات الأخرى للإسلام السياسي.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ” فلا يمكن أن نقارن مثلا بين تجربة حركة النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب وبين ما تقوم به داعش التي لا علاقة لها بالإسلام اصلا، وما تقوم به من جرائم في سوريا والعراق”.
بدوره قال رفيق حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، إنه في الوقت الذي تتجه فيه القوى الدينية إلى الفعل، بغض النظر عن نتائج هذه الفعل، “يكتفي اليسار بدور المبشرين ويغيب الفعل الثوري”.
واعتبر أن “التحدي الذي يواجهه اليسار العربي هو كيف ينتقل من دور المبشر الواقف على أطلال الماضي إلى الفعل الثوري الذي لا يعني الفعل المسلح وإن كان يعنيه في بعض الظروف”.
وبخصوص الموقف من الربيع العربي قال حدادة “لسنا من يقولون بالمؤامرة بل هناك ظروف أدت إلى الانتفاضات التي عرفها العالم العربي في السنوات الاخيرة، وأدت بالشعوب العربية إلى أن تأخذ بيدها نصيبها من الكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن هذه الانتفاضات كان لا بد للمشروع الأمريكي أن يسكتها”.
وقال إن “الولايات المتحدة سعت إلى إسكات الانتفاضات العربية بالتعاون مع قوى الإسلام السياسي من أجل تدجين التحركات الشعبية وإفراغها من محتواها الثوري، أو من خلال التدخل الإمبريالي المباشر في ليبيا، والسعي منذ البداية إلى تحويل هذه التحركات إلى حرب أهلية كما في سوريا واليمن، أو قمعها في مهدها في دول الخليج كالبحرين والكويت والسعودية”.
واعتبر أن بعض مظاهر هذه التحركات “تركز على تدمير الدول وليس تغيير النظام”.
وردا على سؤال حول رأي الأحزاب الشيوعية واليسارية المشكلة للقاء اليساري العربي في التحالف بين حزب التقدم والإشتراكية المغربي وحزب العدالة والتنمية (إسلامي) في حكومة واحدة، قال رفيق حدادة إن “القضية ليست قضية تحالف مع قوى دينية ويسار بل إن المحدد هو موقف هذه القوى من قضايا التجزئة والقضية الفلسطينية والعدالة الاجتماعية، فالموقف من هذه القضايا هو الذي يحدد موقفنا منها”.
وأَضاف أن الشعب المغربي وحزب التقدم والاشتراكية هو من يحدد طبيعة هذه القوى.
في حين قال محمد جمور عن الحزب الوطني الديمقراطي الموحد التونسي، إن حزبه لا يرى إمكانية للحكم مع حركة النهضة في تونس في أي حكومة حتى لو كانت حكومة وفاق وطني.
واستدرك معتبرا أنه من وجهة نظره “هناك خلاف كبير بينهم وبين الحركة في المسألة الديمقراطية وقضية المرأة، والقضية النقابية، والموقف من التطبيع مع إسرائيل، والموقف من التدخل الأجنبي في ليبيا وسوريا”.
وقال جمور “النهضة لا يهمها أن يرضى عنها الشعب التونسي بل أن ترضى عنها القوى الامبريالية، وهي تمثل الشريحة المتعفنة من الرأسمالية المالية”.
أما حمادة معتصم القيادي بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فقال إن “حركة حماس أثبتت أنها غير معنية بل الوحدة الوطنية بل بالاستفراد، وهي غير مؤهلة للتحالف”، مضيفا أن “علاقتنا مع حماس يطغى عليها المد والجزر، وقد نختلف معها في قضيا وقد نتقف حرصا على وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية، ونحن ننظر إليها باعتبارها مقاومة مسلحة ضد الاحتلال”.
ويعقد الاجتماع الثاني للجنة المتابعة للقاء اليساري العربي، الذي يضم مجموعة من الأحزاب اليسارية العربية الشيوعية أو ذات الأصول الشيوعية، على مدي الجمعة والسبت.
ويناقش الوضع السياسي العربي في ضوء التطورات التي شهدتها عدد من الدول العربية وخاصة بعد إعلان ما سمي “دولة الخلافة في العراق والشام” وما تبعه من تطورات ميدانية، وبعد الإعلان عن “التحالف الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة، كما يناقش الاجتماع مسألة “الإسلام السياسي”، وخطط التحرك السياسي لليسار في المشرق والمغرب العربيين.
قمة يسارية عربية في المغرب تؤكد على “أزمة حرجة” لليسار والاختلاف بشأن التحالف مع الإسلاميين
من تظاهرات مصر شارك فيها اسلاميون ويساريون ضد الرئيس المخلوع محمد مرسي خلال الربيع العربي