تصاعد الخلاف السعودي الايراني احد الاسباب الرئيسية لحالة الانهيار التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط برمتها، وابرز عناوينها تفاقم الصراع الطائفي، وصب الغرب المزيد من الزيت على نار هذا الصراع، والتدخل عسكريا في شؤونه.
الدولتان تخوضان حربا بالنيابة في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين، وشعوب المنطقة تدفع ثمنا باهظا لهذا الصراع من ثرواتها ودماء ابنائها، ووحدة اراضيها، واستقرارها الداخلي، ومن المؤسف انه لا يلوح في الافق اي مؤشر على احتواء هذا الصراع من خلال اتفاق بين هاتين الدولتين المتصارعتين.
الولايات المتحدة الامريكية تعرف كيف تلعب على حبال هذا الصراع السعودي الايراني، وبما يحقق اهدافها وطموحاتها في الهيمنة واضعاف الجانبين، وبيع صفقات اسلحة تبقي صناعتها العسكرية في حال اشغال دائم بما ينعش الاقتصاد الامريكي المتأزم.
الخلاف السعودي الايراني ليس وليد الساعة، ويعود بجذوره الى اسقاط الثورة الاسلامية الايرانية للشاه محمد بهلوي عام 1979، وتفاقم بعد كشف النقاب عن الطموحات النووية الايرانية، وبلغ ذروته على ارضية الازمة السورية الحالية، وخسارة السعودية للعراق كدولة رادعة بعد الاحتلال الامريكي له.
القيادة السعودية تريد اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد بكل الطرق والوسائل، وتوظف كل امكانياتها المادية وتحالفاتها الاقليمية، والدولية، من اجل هذا الهدف، والقيادة الايرانية تسعى في المقابل لافشال هذا الطموح السعودي، وحققت نجاحا ملموسا في هذا الصدد حتى الآن على الاقل، بدليل ان الرئيس الاسد هو الوحيد الذي واجه “ثورة” في اطار ما يسمى بالربيع العربي، وما زال في قمة السلطة في بلاده بفضل الدعم الايراني، المادي والبشري، واستطاع ان يحقق بعض المكاسب على الارض رغم ضخامة الهجمة وحجم القوى المقاتلة على الارض لاسقاطه.
***
بالامس انفجر الصراع علنا بين السعودية وايران بعد فترة من الهدوء، عندما دعا الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ايران الى سحب قواتها “المحتلة” من سورية، وطالب اليمنيين الى عدم خدمة اطراف اجنبية (ايران) على حساب مصلحة بلادهم، فرد السيد حسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الايراني الصاع صاعين عندما طالب السعودية بدوره بسحب قواتها من البحرين لان هذا، حسب رأيه، “سيسهم في ايجاد حل سياسي في هذا البلد، وايقاف قمع الشعب، وبدء الحوار الوطني”.
ويبدو اننا على ابواب حرب اعلامية شرسة بين البلدين تتناطح فيها الامبراطوريات الاعلامية الضخمة التي تملكها البلدان، فاليوم ذهب السيد علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الامن والسياسة الخارجية في ايران خطوة ابعد عندما “شخصن” الخلاف، واخرجه عن طابعه السياسي ووصف تصريحات وزير الخارجية السعودي بانها “ناتجة عن مرضه وشيخوخته”، واضاف ان كلمة “احتلال” تليق بالسعودية نفسها لانها وظفت مشروع درع الجزيرة ضد الشعب البحريني المظلوم”.
لا نعرف الى اين سيصل هذا الصراع، ولكن كل ما نعرفه ان البلدين يتحملان مسؤولية حالة الانهيار والحروب التي تمر بها المنطقة حاليا، وتستنزف ثرواتها وتسفك دماء ابناء، وتحول معظم دولها الى دول فاشلة تعمها فوضى دموية، وحروب اهلية قبلية وطائفية ومناطقية وعرقية.
قبل بضع سنوات كنا نسمع عن مؤتمرات وندوات للحوار بين المذاهب والاديان، على المستويين المحلي والدولي، الآن نشاهد صدامات وحروب بين هذه المذاهب، واعمال تحريض طائفي غير مسبوق، بل والاكثر من ذلك تقارب مع اسرائيل وامريكا اللذين من المفترض انهما العدو الاول للعرب والمسلمين، الامر الذي سمح للاولى (اي اسرائيل) استغلال حالة الانهيار هذه للعدوان على قطاع غزة واقتحام المسجد الاقصى، وتقسيمه زمنيا بين اليهود والمسلمين تمهيدا لتقسيمه جغرافيا على غرار ما حدث للحرم الابراهيمي في مدينة الخليل.
من الصعب ان تنتصر السعودية في سورية، ومن شبه المستحيل ان تنتصر ايران في اليمن، والطرفان وان تباعدا، قد لا يهزما “الدولة الاسلامية” في المستقبل المنظور حتى لو جاءت كل طائرات العالم الحربية للمشاركة في التحالف الامريكي، والا لانتصر هذا التحالف في العراق وافغانستان وليبيا واكرانيا، ولا نبالغ اذا قلنا ان هذه الدولة التي باتت شغل العالم بأسره ولدت من رحم الصراع السعودي الايراني وسياساتهما الطائفية الخاطئة وقصيرة النظر.
واذا تحقق الانتصار لاي منهما سيكون مؤقتا وفوق كل ذلك مكلفا جدا، وبعد سنوات وربما عقود من الاقتتال، فالحسم لم يعد عملية سهلة في الحروب السياسية، او العسكرية، وحتى لو تحقق، فانه قد يأتي بنتائج اكثر خطورة او سيكون مؤقتا فنحن في زمن عنوانه التوافق والتعايش والا فلبديل دموي.
امريكا تقصفنا بطائراتها من الجو ونحن نخسر على الارض، وستعود هذه الطائرات الامريكية الى “اعشاشها” في يوم ما، وتترك لنا الدمار والموت والحروب الاهلية والطائفية، مثلما فعلت بعد كل هزائمها في افغانستان والعراق وقبلهما فيتنام.
المخرج من هذه الدوامة القاتلة هو الحوار المسؤول والبناء بين هاتين القوتين الاقليميتين العملاقتين، ووضع كل الخلافات على الطاولة، والتوصل الى تفاهمات تنهي هذا الصراع الدموي قبل ان تفنى المنطقة واهلها.
فمن غير المنطقي ان يتحاور العرب مع الاسرائيليين، ويتواطأ بعضهم معهم، وتتوصل ايران الى صفقة سرية حول برنامجها النووي تنهي العداء مع امريكا جزئيا او كليا، بينما يتواصل الصراع السعودي الايراني “العبثي والتحشيد الطائفي الاداة التدميرية الرئيسية المستخدمة فيه.
***
ثرواتنا كعرب ومسلمين تهدر في القتل والتدمير وانقاذ الاقتصاد الغربي من عثراته، وليس في البناء والتعليم والصحة وخلق الوظائف لملايين العاطلين عن العمل من شبابنا، وبناء بنى تحتية اقتصادية صلبه تفيد اجيالنا الحالية والقادمة.
اسعار النفط تتهاوى، والاعتماد الغربي والشرقي على نفوطنا يتراجع بسبب البدائل الاخرى، والميزانيات العامة بدأت تشتكي من العجوزات، وهذه كلها وصفة لكارثة قادمة عنوانها انتشار التشدد في صفوف الشباب المسلم.
ربما يرى البعض ان طرحنا لمبدأ الحوار في ظل حالة الاحتراب التي تعيشها المنطقة يبدو تغريدا خارج السرب، وينطوي على سذاجة، وليكن، فلا بد من صرخة الم، وقرع طبول الحكمة والتعقل، لعل النيام يفوقون من نومهم الذي طال واوصلنا الى ما نحن فيه من كوارث وحمامات دم.