استشهد ملك المغرب محمد السادس في خطاب له يوم الجمعة وجهه الى الشعب المغربي من منصة المجلس التشريعي بحديث نسبه الى النبي صلى الله عليه وسلم. وتفيد كل المعطيات الدينية والتاريخية بعدم وجود هذا الحديث الذي لا أصل له. وسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن ارتكب الخطئ نفسه في خطاب بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 1978.
وسيرا على عادة افتتاح الملك للبرلمان في بداية كل دورة تشريعية، افتتح الملك محمد السادس الدورة الحالية مساء الجمعة بخطاب وجهه لنواب الأمة، نطق فيه عبارات قوية حول العمل السياسي الذي يجب أن يكون في خدمة رعايا الوطن. وطالب ممثلي الأمة بالرقي بخطابهم السياسي وبرامجهم والنخب.
وفي سياق خطابه، أبرز أهمية الاستقرار في المغرب، وجاء في سياقه من باب الافتخار أمام الأمم: ” وأستحضر هنا، قول جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، “اللهم كثر حسادنا”. لأن كثرة الحساد ، تعني كثرة المنجزات والخيرات. أما من لا يملك شيئا ، فليس له ما يحسد عليه.
وتفيد كل المعطيات بعدم وجود هذا الحديث في المراجع والمصادر الدينية وباللغة الدينية “لا أصل له” نهائيا. في هذا الصدد، وخبر “اللهم كثر حسادنا” لم يرو لا في الصحاح مثل صيح البخاري وصحيح مسلم ولا في السنن مثل سنن ابن ماجة ولا في المسانيد مثل مسند الإمام أحمد ولا في الأجزاء ولا في الأطراف ولا في غيرها. و لم يروه حتى أولئك الذين جمعوا الأحاديث الموضوعة (الأحاديث المكذوبة) وصنفوها لتحذير الناس منها. و عموما كما يقول أهل الصنعة من المحدثين:هذا حديث لا أصل له.
ويذكر أن التحري عن درجة الحديث من أولويات كل متحدث خاصة إذا كان ذا ولاية على الناس أو كان إماما متبوعا أو عالما معروفا وتكون المسؤولية أكبر إذا كان المرء يحمل صفة أمير المؤمنين.
والمفارقة أن هذا الحديث المزعوم يتعارض ومعالجة القرآن للحسد، وجاء في سورة الفلق “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”.
واعتاد العلماء ومسؤولو الأمة الاستشهاد بالأحاديث المتواترة (الصحيحة) التي هي أعلى درجات الصحيح المسند هي التي روتها جماعة عن جماعة من بداية السند إلى منتهاه بحيث يستحيل تواطؤ رواتها على الكذب، وهي قليلة و معدودة للشروط التي شرطها علماء الحديث فيها. وفي الوقت ذاته، عندما يتم الاستشهاد بالحديث يذكر من رواه ومصدره.
ويبدو أن المكلف بالتحرير اللغوي للخطاب في نسخته الأخيرة لم يعرضه على العارفين بخبايا الدين في الديوان الملكي لمراجعة الحديث الذي تم نسبه الى النبي.
في الوقت ذاته، يبدو أن محرر الخطاب الملكي الحالي اعتمد خطابات سابقة بمناسبة افتتاح البرلمان ومنها خطاب للملك الراحل الحسن الثاني في أكتوبر 1978 حيث تحدث بدوره عن “اللهم كثر حسادنا” ونسبه الى الرسول. وجاء كلام الملك الراحل في سياق الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد.