عاشت بريطانيا يوم الخميس 18 شتنبر يوما تاريخيا انحبست فيه أنفاس البريطانيين وهم ينتظرون نتائج الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن المملكة، لم تكن استطلاعات الرأي تعطي ـ إلى غاية أسبوعين قبل موعد الاستفتاءـ أكثر من 34 في المائة لدعاة الاستقلال وانتهت النتيجة إلى فوز اختيار الوحدة و الاستمرار في المملكة بنسبة 55,3 في المائة من الأصوات.
لن أعود في هذا المقال إلى الأرقام وتفاصيل النتائج التي أوفت في تغطيتها أغلب وسائل الاعلام البريطانية والعالمية، بقدر ما سأحاول تحليل نتائج هذا الاستفتاء في علاقته بما يجري في اسبانيا وتصويت البرلمان الكتالاني الجهوي في نفس يوم لإعلان نتائج الاستفتاء الاسكتلندي على قانون تنظيم الاستفتاء الذي تتهيأ حكومة كتالونيا الجهوية الدعوة له يوم 9 نوفمبر 2014. كل المؤشرات تؤكد أن حكومة الحكم الذاتي بزعامة آرتور ماس Artur Mas وحلفائها من الجمهوريين واليسار الخضر مصممة على الذهاب في مسلسل الاستفتاء على تقرير المصير إلى النهاية.
قانون الاستفتاء الذي صوت عليه برلمان كتالونيا الجهوي حصل على أغلبية الثلثين (106 من الأصوات) بما فيهم نواب الحزب الاشتراكي الكتالاني PSC. خيبة أمل الكتالانيين من دعاة الاستقلال بنتائج الاستفتاء في اسكتلندا لم تؤثر على حماس الشارع الكتالاني ونُخبه المساندة للإستفتاء، بل رأى فيها البعض تأكيدا على شرعية الاستفتاء في كتالونيا وفي حق الكتالانيين في تقرير مصيرهم.
تعليقات بعض الكتالانيين في شبكة التواصل الاجتماعي بعد فوز اختيار استمرار اسكتلندا ضمن “المملكة المتحدة وشمال إيرلندا” ركزت أغلبها على مبدأ الحق في الاستفتاء، جريدة لآفانكوارديا La vanguardiaالكتالانية افتتحت عددها ليوم الجمعة 19 شتنبر بعنوان كبير “نهاية حلم” وأكدت الافتتاحية على ما مفاده ” لاتهم نتيجة الاستفتاء إن كانت نعم أو لا، المهم أن بريطانيا دولة ديموقراطية سمحت وسهلت تفعيل حق الاختيار،فلماذا تمانع الدولة الاسبانية في تمتيع الكتالانيين بنفس الحق..”
من جانب تنفست الحكومة الاسبانية الصعداء بعد نتائج الاستفتاء في اسكتلندا لصالح الوحدويين، لكنها كذلك تواجه إحراجا قويا من موقفها الرافض لتنظيم الاستفتاء الذي يطالب به عدد مهم من الكتالانيين. كارلوس كامبوثانوCarlos Campuzano نائب كتالاني عن حزب التحالف والوحدة CIUالحاكم في كتالونيا تساءل في تصريح له للقناة السادسة” ماالذي يخيف الحكومة الاسبانية من الاستفتاء في كتالونيا؟ ألم تخرج بريطانيا أكثر قوة ووحدة بعد الاستقتاء في اسكتلندا؟ أليس الأصل في الديموقراطية هو الحق في الاختيار؟
بعض الملاحظين والمتتبعين للملف الكتالاني اعتبروا أن نتائج الاستفتاء الإسكتلندي كانت سلبية على موقف حكومة مدريد برئاسة ماريانو راخوي Mariano Rajoyالرافضة للإستفتاء في كتالونيا، وأن العكس ـ أي نجاح اختيار الاستقلال عن بريطانيا ـ كان أفيد لموقف الحكومة الاسبانية الرافض للإستفتاء ، بل كان المبرر الأقوى لرفض الاستفتاء، في حين النتيجة الحالية أعطت قوة للمطالبين بالاستفتاء وللشرعية الديموقراطية مقابل الشرعية الدستورية التي يتشبث بها ماريانو راخوي.
الحقيقة أن الحيرة والتناقض ميزا أداء وتصريحات الحكومة الاسبانية قبل وبعد الاستفتاء في اسكتلندا. من جانب استماتت الخارجية الاسبانية على لسان وزير خارجيتها منويل غارسيا مارغايو في رفض أي مقارنة بين حالتي اسكتلندا وكتالونيا وكأن الوزير كان يحتمل نجاح اختيار الاستقلال، فيما هنأ رئيس الحكومة ماريانو راخوي بعد نتائج الاستفتاء الاسكتلندي الحكومة البريطانية والإسكتلنديين على قرارهم بالاستمرار داخل بريطانيا واعتبر ذلك بمثابة درس للكتلانيين المطالبين بالاستقلال، وهو ما اعتبره بعض المعلقين من الطرفين( الرافض والداعي) بنوبة من الإيسكسوفرينيا، وأن درس الديموقراطية الوحيد والممكن استقاءه من التجربة البريطانية في علاقتها مع اسكتلندا هو شرعية حق الشعوب في اختيار مصيرها وانتمائها بحرية وعبر استفتاء حر، والعكس هو الذي تمارسه حكومة راخوي.
في انتظار أن يُفعل رئيس الحكومة الجهوية بكتالونيا القانون الذي صادق عليه البرلمان الكتالاني يوم 19 سبتمبر والاعلان عن الاستفتاء في كتالونيا ، وفي انتظار قرار الحكومة الاسبانية باستئناف قانون الاستفتاء الكتالاني أمام المحكمة الدستورية، تستمر المواجهة الاعلامية إلى حدود غير مسبوقة في المشهد السياسي الاسباني منذ الجمهورية في الثلاثينات.
يبقى الغائب الكبير في هذا العراك هو الملك فيليبي السادس الذي اختار ـ على عكس سابقه الملك المستقيل ـ أسلوب ملكة بريطانيا بالصمت والتريث وعدم التدخل في معترك يهدد إلى جانب الأزمة المالية وتفشي فضائح الفساد بخلخلة المشهد السياسي الاسباني، وربما بالانفجار وضرب استقرار المملكة. على عكس مملكة الكومنويلث، استفتاء كطلونيا يفتح إسبانيا على كل الاحتمالات بما فيه مستقبل الملكية.