يشارك المغرب في القمة الأمريكية-الإفريقية التي ستعقد اليوم وتستمر ثلاثة أيام تحت شعارات متعددة منها اندماج إفريقيا في الاقتصاد العالمي وإرساء السلم في القارة السمراء. ولم تقدم الحكومة المغربية تصورا لمشاركتها في هذه القمة عبر ورقة خاصة أو ندوة صحفية، وفي الوقت ذاته هناك تساؤلات حول كيفية حضور نزاع الصحراء بسبب رغبة دول مثل جنوب إفريقيا والجزائر ونجيريا بجعله حاضرا ضمن تصور “إرساء السلم”.
قمة للحد من هيمنة الصين
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد طرح مقترح القمة بين واشنطن والقارة السمراء خلال الزيارة التي قام بها السنة الماضية لعدد من الدول الإفريقية. وتأتي دعوته في وقت بدأ اهتمام القوى الكبرى بهذه القارة نظرا للموارد الطبيعية الضخمة التي تتوفر عليها.
وكانت دولة الصين سباقة الى القمة الثنائية مع إفريقيا حيث عقدت ومنذ سنوات القمة الأولى بين الطربفين وتبعتها قمم أخرى. ونجحت الصين في إرساء تغلغل مالي وصناعي صيني في القارة، وتحولت إلى شريك رئيسي لها متجاوزة بعض الدول مثل فرنسا.
وينفي البيت الأبيض أن تكون القمة ردا على التواجد الصيني في القارة السمراء بل العمل من أجل إعطاء أمل التطور للقارة التي يعتبرها الجميع قارة للمستقبل.
وتتجلى أجندة اللقاء في الرفع من التعاون التجاري والاقتصادي وتمويل برامج استثمارية علاوة على مكافحة الإرهاب لاذي بدأ يهدد القارة وخاصة في منطقة الساحل ونيجيريا والكاميرون.
غياب الملك ومصدر قلق للمغرب
ولن يحضر الملك محمد السادس القمة بل سينوب عنه رئيس الحكومة عبدالإله ابن كيران. وسبق لألف بوست أن استبعدت مشاركة الملك في القمة في مقال تحليلي يوم 25 يناير الماضي عندما أعلن البيت الأبيض وقتها القمة.
وفي الوقت الذي انتعشت فيه الدبلوماسية الملكية، يشكل غيابه عن قمة يحضرها أكثر من 40 من قادة إغريقيا تناقضا، لكن الواقع هو قلة النتائج الإيجابية التي سيجنيها المغرب من القمة. وفي هذا الصدد يبقى التساؤل، هل تشكل القمة ربحا دبلوماسيا واستراتيجيا هاما للمغرب؟
معطيات الواقع تسمح برؤى متعددة أكثر من أجوبة دقيقة. واستنادا الى هذه المعطيات، يمكن الميل الى القول بعدم جني المغرب نتائج إيجابية تذكر بل قد تحمل بعض القلق على مصالحه في ملف نزاع الصحراء.
اقتصاديا، تجمع المغرب والولايات المتحدة برامج اقتصادية هامة للغاية ومنها اتفاقية التبادل التجاري الحر. وبالتالي، مهما كانت قوة البرامج المالية مع إفريقيا ستبقى دون مستوى التعاون الحاصل الآن بين الرباط وواشنطن.
وسياسيا، تعتبر واشنطن الاتحاد الإفريقي الذي لا ينتمي إليه المغرب بسبب عضوية البوليساريو كدولة فيه هو المخاطب الرئيسي في إفريقيا. وتتميز العلاقات الدولية في الوقت الراهن بمخاطبة الدول الكبرى للتجمعات والتكتلات لتأكيد حضور قوي في المنتديات الدولية.
وفي المقابل، تصنف الدبلوماسية الأمريكية المغرب رفقة دول أخرى مثل الجزائر وتونس ومصر ضمن شمال إفريقيا والشرق الأوسط أو العالم العربي. وأجندة واشنطن في إفريقيا تختلف عن أجندتها في العالم العربي. ومن ضمن الأمثلة، لم يسبق لأي وزير خارجية أمريكي أن زار عاصمة إفريقية (غير عربية) وانتقل بعدها الى الرباط بل يأتي دائما من عاصمة عربية، وإذا كان في الرباط لا ينتقل الى أي عاصمة إفريقية، وهذا يبين اختلاف الأجندة.
ولهذا، عندما يتحدث البيت الأبيض عن إفريقيا لا يحتسب دول شمال القارة ومنها المغرب. وعندما يتحدث البيت الأبيض عن زيارة رئيس أمريكي الى إفريقيا مثل زيارة أوباما خلال يونيو 2013 يتم اختيار دول إفريقيا السوداء وليس دول شمال إفريقيا.
دول الاتحاد الإفريقي ستشارك في القمة مع الولايات المتحدة بأجندة تتضمن القضايا التي تعتبرها رئيسية ومنها التنمية والمشاركة في القرارات الدولية والاستقرار السياسي، وهنا يدخل ملف نزاع الصحراء الذي يعتبر من القضايا الخمس الرئيسية في الاتحاد الإفريقي. ويخضع الاتحاد الإفريقي لهيمنة الدول الأنغلوفونية علاوة على نيجيريا والجزائر. وهذه الدول هي الأكثر شراسة ضد المغرب في ملف الصحراء. ويبقى المثال البارز هو تدخل رؤسائها في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر الماضيين، حيث طالبوا بتفعيل استفتاء تقرير المصير وبدأت أصوات تطالب بعزل المغرب.
وعلاقة بهذا التوجه، أقدم الاتحاد الإفريقي على تعيين مبعوث خاص في الصحراء وهو صيشانو، رئيس الموزمبيق للوساطة في النزاع، وقد استقبل مسؤولون من وزارة الخارجية الأمريكية هذا المسؤول منذ شهرين.
وكان دبلوماسيون أمريكيون قد أبلغوا المغرب أنه لا يمكن في وقت يشهد العالم خرائط جيوسياسية جديدة قائمة على نسج تحالفات جديدة التضحية بالعلاقة مع الاتحاد الإفريقي من أجل دولة واحدة، المغرب، على خلفية ملف نزاع الصحراء. ويمكن فهم التشدد الأمريكي في ملف الصحراء في ارتباطه بهذا.
في غضون ذلك، فهذه القمة لن تحمل الكثير للمغرب اقتصاديا وسياسيا بل قد تكون مصدر قلق حقيقي بحكم أن الدول المهيمنة مثل الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا تجعل من ملف الصحراء نقطة رئيسية في أجندة إفريقيا الدولية.