يعتبر الملك خوان كارلوس الذي أعلن تنازله عن عرش اسبانيا الاثنين من الأسبوع الجاري صديقا للعائلة الملكية المغربية ومخاطبا دبلوماسيا بامتياز للرباط. ولكن هذه الصداقة بين القصرين لم تمنع من وقوع توترات قوية، حيث بدأ خوان كارلوس مسيرته بإغضاب الملك الحسن الثاني في نزاع الصحراء سنة 1975، وأنهاها مسببا في أزمة كبرى للملك محمد السادس في ملف العفو عن مغتصب الأطفال غالفان، وبينهما لحظات تفاهم وتوتر أبرزها زيارة سبتة ومليلية المحتلتين.
وكان الملك محمد السادس أول المتصلين بملك اسبانيا المؤقت خوان كارلوس عند إعلانه التنازل عن العرش وكذلك ملك المستقبل ولي العهد فيلبي دي بوربون. وأصدر بيانا يثني فيه على دور خوان كالوس في الانتقال الديمقراطي، وأورد البيان “وأشاد الملك محمد السادس بحرارة بالملك خوان كارلوس الأول لدوره الرئيسي في عملية الانتقال السياسي والديمقراطي، ولفائدة إرساء قيم الحرية والسلم طيلة عهده”.
المغاربة وخوان كارلوس
ويعتبر الملك خوان كارلوس من الوجوه المألوفة والمعروفة لدى الرأي العام المغربي بسبب استمراره الطويل في العرش لمدة قاربت 39 سنة وبحكم العلاقات المغربية-الإسبانية المكثفة.
واختلفت رؤية وتعامل المغاربة مع الملك خوان كارلوس وفق الظروف ووفق الأحداث. فقد رآى فيه جزء من المغاربة صديقا للمغرب لمواجهة تقلبات الحكومات المتعاقبة على الحكم، ورأى فيه سياسيون والصحافة المستقلة في بداية العقد الماضي النموذج الذي يجب على الملك الشاب وقتها، محمد السادس الاقتداء به نحو ملكية برلمانية. وتزخر الكتابات الصحفية المغربية ما بين 1999 الى 2005 بكتابات من هذا النوع.
ويغيب الدور الديمقراطي للملك خوان كارلوس في الوقت الراهن ليحل محله حادث مؤسف يتجلى في ما نسب من دور للملك من طلب العفو لصالح مجموعة من الإسبان خلال زيارته الى المغرب خلال يوليو الماضي، وكان من ضمن الأسماء في اللائحة دنييل غالفان مغتصب الأطفال المحكوم ب 30 سنة قضى منها سنتين ليتمع بعفو ملكي. وتسببت الحادث في هزة حقيقية لصورة الملك محمد السادس وطنيا ودوليا، حيث لم تتضح الحقيقية حتى الآن حول من المسؤول عنها، وإن كان من الأسباب هو محاولة مستشار الملك فؤاد علي الهمة لعب دور على حساب رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران في العفو.
خوان كارلوس كاد أن يفشل المسيرة الخضراء
والعلاقات بين خوان كارلوس والمغرب قديمة، وبدأت تأخذ شكلا رسميا وحميميا في نهاية الستينات عندما عين الجنرال فرانسيسكو فرانكو خوان كارلوس وقتها ليكون ملكا على إسبانيا بعد وفاة هذا الدكتاتور. ومنذ تلك الفترة، بدأ خوان كارلوس يعزز علاقاته مع الملك الحسن الثاني وتطوير العلاقة بين العائلتين الملكيتين.
وحرص الجنرال فرانكو على ترك خوان كارلوس بعيدا عن المشاكل مع المغرب لكي يبدأ صفحة جديدة عندما يصل الى الحكم مع عودة الملكية. وشاءت الصدف أن أول ملف سيتولى خوان كارلوس معالجته بصفته المسؤول الأول عن اسبانيا، وحدث في فترة كان فرانكو مريضا في غيبوبة وينوب عنه خوان كارلوس الذي لم يتم إعلانه بعد ملكا، كان هو ملف الصحراء المغربية.
يوم 2 نوفمبر 1975 على بعد أربعة أيام من انطلاق المسيرة الخضراء، وفي ظل توتر شديد بين المغرب واسبانيا ومفاوضات سرية ستحدد الحرب أو السلام في الصحراء، يحل فجأة الأمير خوان كارلوس بصفته رئيسا مؤقتا للبلاد ورئيسا للأركان العسكرية بسبب غياب فرانكو المريض، يحل بمدينة العيون في الصحراء التي كانت تحت الاستعمار الإسباني.
وألقى خوان كارلوس خطابا لرفع معنويات الجيش هناك للتصدي لأي محاولة عسكرية مغربية. تفاجأ الملك الحسن الثاني بالخطوة التي أقدم عليها الأمير وقتها ووصفها بالغباء والاستفزازية في اجتماع مع مساعديه. وقتها خامرت الملك الحسن الثاني شكوكا قوية بشأن دور غامض لخوان كارلوس، اعتقد أنه يرغب في البحث عن شرعية عبر بوابة الصحراء بتنسيق مع الجناح المتشدد في الجيش الإسباني الذي لا يرغب في الانسحاب من الصحراء.
ولاحقا، أكدت المعطيات، وإنت كان ليس قطعيا، أن زيارة خوان كارلوس كانت مجرد إجراء لتهدئة الجيش الإسباني في وقت كانت تستعد فيه البلاد للانتقال الديمقراطي، إذ سيتوفى الجنرال فرانكو أسبوعين بعد ذلك، 20 نوفمبر 1975.
ملف ترابي آخر سيجعل الملكية المغربية تصدر أعنف البيانات في تاريخها، ويتعلق الأمر بزيارة الملك خوان كارلوس وزوجته الملكة صوفيا الى سبتة ومليلية المحتلتين خلال نوفمبر 2007. وكان يوجد يوجد اتفاق عرفي بين ملك المغرب وملك اسبانيا بعدم زيارة المدينتين المحتلتين، لكن خوان كارلوس وبعدما بدأت شعبيته تنزل، قرر فجأة وبدعم من رئيس الحكومة الاشتراكية خوسي لويس رودريغيث سبتيرو زيارة المدينيتن. قرار لم يجرأ على اتخاذ حتى رئيس الحكومة اليميني الأسبق خوسي ماريا أثنار.
المغرب اعتبر الزيارة استفزازا، واعتبر الملك محمد السادس الزيارة استفزازا شخصيا له. وأصدر الديوان الملكي بيانا يعتبر من أعنف بيانات الملكية المغربية وخاصة تجاه ملكية أخرى وهي الإسبانية. وصيغ البيان على شاكلة بيانات الدول اليسارية في انتقادها للدول الاستعمارية قديما.
قناة للحوار
وباستثناء لحظات التوتر المرتبطة بالملفات الترابية، سبتة ومليلية والصحراء، فقد شكل الملك خوان كارلوس مخاطبا رئيسيا للمغرب خلال الأزمات وخلال لحظات التفاهم. وراهن الحزب الاشتراكي في الحكم مع كل من فيلبي غونثالث (1982-1996) وخوسي لويس رودريغيث سبتيرو (2004-2011) على الملك خوان كارلوس مخاطبا للمغرب أكثر من اليمين خاصة خلال فترة حكم خوسي ماريا أثنار (19996-2004) الذي منعه من لعب دور في أزمة جزيرة ثورة.
الآن ينسحب الملك خوان كارلوس ويتنازل عن العرش، كان مخاطبا للملك محمد السادس طيلة 15 سنة الأخيرة، ومخاطبا لصديقه الملك الراحل الحسن الثاني طيلة 24 سنة. والآن أصبح الحوار بين الملك محمد السادس والملك المقبل فيلبي السادس.