مذكرات الأمير المثقف/ مالك التريكي

الأمير مولاي هشام في ندوة سابقة

لم أحصل بعد على كتاب ‘مذكرات أمير منبوذ’ الذي صدر قبل بضعة أيام في باريس . ولكن المقتطفات التي نشرت منه في الصحافة الفرنسية والتصريحات التي أدلى بها الأمير مولاي هشام العلوي، المعروف بمواقفه التحررية وبمعارضته لحكم ابن عمه ملك المغرب، لجريدة ‘لوموند’ تمنح مذاقا أوليا عن كتابه هذا الذي لا سابق له في تاريخ الأنظمة الملكية العربية. ذلك أنه ‘لم يحصل أبدا في التاريخ الملكي المغربي المديد’ كما يقول مولاي هشام، الذي تلقبه الصحافة بـ’الأمير الأحمر’، ‘أن أخذ أحد أفراد العائلة المالكة القلم لتبليغ أفكاره إلى ‘الخارج’، خلف أسوار القصر’.
يكشف الأمير هشام في هذه المذكرات النادرة، التي تجمع بين كسر المحرمات الملكية ونشر الغسيل العائلي، أنه ما إن انتهى الحداد على عمه الحسن الثاني في أواخر تموز (يوليو) 1999 حتى ‘استجمعت شجاعتي وذهبت إلى محمد السادس في القصر لأقول له كل شيء من الألف إلى الياء: حول الملكية، والمخزن{نظام المؤسسات الملكية والبيروقراطية الذي يعادل ‘الدولة العميقة’ في أنظمة عربية أخرى}، والعسكر، و’التداول’. وقلت له أمام كبراء القصر وأفراد العائلة إن ثروات العائلة المالكة لا بد أن تعود إلى الشعب.
وناشدته عدم منح أي ضمانات للعسكر والتوقف عن عقد اجتماعاته في مقر قيادة هيئة الأركان (ô) وطلبت منه إزاحة (وزير الداخلية) إدريس البصري برفق. وأخيرا حثثته على تعزيز انفتاح النظام نحو قوى اليسار. ولكن محمد السادس لم يجب بشيء. كان يبدو كأنه لا يعرف ما ينبغي أن يقولô’.
ويعتقد مولاي هشام، الذي اختار الاضطلاع بدور المثقف الملتزم بقضايا شعبه، أن عهد رفيق صباه محمد السادس قد كان على موعد مع التاريخ، ولكنه أخلف الموعد لأنه بدد الفرصة التي سنحت لإرساء مكلية دستورية حقيقية (على غرار بريطانيا واسبانيا)، وللانتقال بالمغرب إلى الطور الديمقراطي الذي طالما ناضلت في سبيله القوى التقدمية. الشيق في الكتاب هو أن ما يتضمنه من آراء إصلاحية وملاحظات نقدية وأحكام تقييمية للأشخاص والأحداث إنما يأتي في سياق الرواية: أي في سياق ما يسرده، ‘من عقر الدار’، من وقائع وتفاصيل عن حياة العائلة المالكة، وأسلوب الحسن الثاني في الحكم وتصرفات حاشية القصر.
معروف أن شخصية الحسن الثاني كانت قوية، بل ساحقة. ولكن ما يرويه مولاي هشام يكشف بعدا أخطر، حيث يقول إن ‘الملك كان يوبخ ولي العهد في كل مكان، في السيارة، وقبل الذهاب إلى الصلاة ولدى الخروج من مجلس الوزراء. كان الحسن الثاني متجنيا، بل كان يغار من مجرد فكرة أن سيدي محمد سيخلفه يوما. وفي الوقت ذاته كان مغتاظا لأنه لم يتمكن من نحت شخصية ولي العهد على مثاله هو. لقد كان الحسن الثاني في حقيقة الأمر يرغب في أن يخلّد.’
ويذكر مولاي هشام أنه خرج ذات مرة عن طوره فصرخ في وجه أحد مستشاري القصر ‘ليس الملك مخلدا. سوف يموت يوما’. طبعا وشى به المستشار. فأتى الرد من الحسن الثاني قاطعا مدهشا: لأمضين ّ في حكم البلاد حتى من وراء اللحد!
لم يكن جزاف كلام. لهذا يتساءل الأمير هشام: ‘لعل (عمي) كان فعلا على صوابô’

Sign In

Reset Your Password