ينظر القضاء الفرنسي في الوقت الراهن في ملفات فساد عديدة تورط فيها كبار مسؤولي الدولة وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وعشرات السياسيين الآخرين من وزراء ورؤساء البلديات. وينظر الفرنسيون الى القضاء بصفته آلية حقيقية لممارسة الرقابة الحقيقية على السياسيين في ظل عجز آليات أخرى مثل البرلمان على وقف الفساد. ورغم الدور الصارم للقضاء، يرى الفرنسيون في استطلاعات الرأي غياب صرامة حقيقية للقضاة في مواجهة الفساد، ويطالبون بالمزيد.
ويحقق القضاء الفرنسي في عدة قضايا وملفات للطبقة السياسية الفرنسية بينهم علية هذه الطبقة مثل رؤساء سابقين، ووزراء وسياسيين ورجال أعمال على صلة بالطبقة السياسية ومديري مؤسسات كبرى مثل البنك الدولي وغيره. ولا ينص القانون على الامتياز القضائي لهؤلاء المسؤولين مهما علت رتبهم في أجهزة الدولة.
ومن مظاهر تدخل القضاء الفرنسي لحماية الديمقراطية الفرنسية في الوقت الراهن، ركام من الملفات والقضايا التي يحقق فيها على صلة بمسؤولين سياسيين، كقضايا توظيف أموال غير شرعية في الحملات الانتخابية تؤثر على نزاهة الأداء الانتخابي والديمقراطي.
ويواجه في هذا السياق وفي الوقت الراهن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تحقيقا قضائيا بشأن اموال غير قانونية مفترضة تسلمها، من مالكة شركة العطور الفرنسية الشهيرة لوريال ليليان بيتانكور ومن الراحل العقيد معمر القذافي لدعم حملته الانتخابية في العام 2007 والتي فاز إثرها برئاسة البلاد.
ويحقق ذات القضاء أيضا في دور محتمل للرئيس السابق ذاته ومقربين منه قاموا بتشكيل لجنة تحكيم خاصة سمحت لرجل الأعمال الفرنسي برنارتابيي الحصول على تعويضات حكومية تقدر ب 403 مليون يورو. ويواجه ساركوزي الذي لم يعفه اعتباره رئيسا سابقا لدولة كفرنسا من أن يجري التنصت عليه بشكل قانوني ضمن التحقيق في تهم محتملة لاستغلال نفوذ قضائية للتأثير على مجريات التحقيق في الملفات التي يواجهها أمام القضاء الفرنسي.
ولا تعتبر حالة ساركوزي الأولى من نوعها، بل جرى إخضاع الرئيس الأسبق جاك شيراك بدوره للتحقيق القضائي بعد الاشتباه بتورطه في منح وظائف وهمية لحلفاء سياسيين في بلدية باريس عندما كان عمدة لها في الفترة ما بين 1977 إلى 1995
ولم يترد القضاء الفرنسي حاليا أن يحقق مع مسؤولين فرنسيين كبار مثل وزيرة المالية الفرنسية السابقة و مديرة صندوق النقد الدولي كريستن لاغادر في تهم محتملة تتعلق بمنح أموال عمومية لرجل الأعمال برنادر تابييه، وهو الملف الذي يتابع فيه كذلك ساركوزي.
وأخضع القضاء الفرنسي وزير الداخلية لهذا البلد الأوروبي كلود غيان بدوره للتحقيق القضائي بتهم تتعلق بتلقي مبالغ مالية نقدية ما بين 2002و 2004 بطرق غير شرعية.
ولم يترد القضاة الفرنسيون في التحقيق في صفقات تجارية ومالية يشتبه أن مسؤولين حكوميين قد تكون لهم صلة بها مثل صفقة بيع أسلحة للسعودية في العام 1994 تحوم حولها شبهات الرشوة ، ثم إلى قضية أخرى يجري فيها التحقيق حاليا وهي التي تخص صفقة أسلحة مع باكستان وهذا الملف يعرف في فرنسا بقضية كراتشي”، حيث يُشتبه في أنه جرى استخدام جزء من تلك الصفقة في تمويل الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء الفرنسي الأسبق إدوارد بلادور عام 1995، ويعتبر ساركوزي من المتهمين في الملف سواء بدوره في الفساد أو الكشف عن معطيات تخص سير التحقيق عندما وصل الى رئاسة البلاد.
ويعتبر المراقبون من نوعية هذه القضايا المطروحة على أنظار القضاء الفرنسي ونوعية يتابع فيها مسؤولون سياسيون كبار في مقدمتهم رؤساء دولة سابقين، مدى انخراط قضاء هذا البلد الاوروبي في حماية الممارسة السياسية من أي اختلالات أخلاقية ومن بؤر الفساد.