هل تحول عبد اللطيف الحموشي الى عبد الفتاح السيسي جديد في المغرب؟ تساؤل قد يبدو مثيرا وغريبا في طرحه بحكم الفرق السياسي الشاسع بين المغرب ومصر وبحكم انتماء الأول الى السلك الأمني وليس العسكري عكس الثاني.
لكن ما يجمع بين الشخصين هو المعالجة الإعلامية في مصر والمغرب لكل واحد منهما. فبعد الأحداث التي شهدتها مصر من خلال عزل الرئيس محمد مرسي، أقدم نوع من الإعلام المصري وبطريقة غبية على تقديم الجنرال عبد الفتاح السيسي بمثابة المنقذ لمصر من كارثة تاريخية، وأصبح هذا الاعلام يرسم صورة للجنرال قريبة من القداسة بل ولم يتردد البعض في كتابة تقارير تنسب أصوله الى الرسول الأكرم ويعتبر مجرما كل من سولت له نفسه انتقاد السيسي.
هذه الصورة بدأت تتكرر عندنا في المغرب مع مدير المخابرات المدنية عبد اللطيف الحموشي. فبعد قرار القضاء الفرنسي استدعاءه للتحقيق معه في ملفات تعذيب، انقسم الإعلام المغربي الى قسمين، الأول يقدم حقائق حول هذا الملف بدون تغليط ويحاول تأطير الحدث في إطاره العام، وصحافة لم تتردد في تغليط المعطيات وتقديم روايات غير حقيقية.
وإذا كان كل منبر إعلامي يعتقد أنه يلامس الحقيقة والواقع، فالذي يدعو الى الكثير من التساؤل هو بعض الجرائد الرقمية التي تشن حملة حقيقية ضد الخط الإعلامي لأخرى لأنها ارتأت معالجة إعلامية مختلفة. والمثير أن هذه الجرائد تتحرك في وقت واحد وبأسلوب واحد وبمعطيات موحدة وتصنف كل من كتب عن الحموشي بطريقة مخالفة للرواية الرسمية ويقدم معطيات الواقع ويطرح تساؤلات فهو يشارك في مؤامرة تمس وحدة المغرب واستقراره. مفارقة عجيبة أن تلتقي كل هذه المنابر حول فكرة واحدة وبأسلوب واحد ومعطيات واحدة وطرح يقترب الى العقيدة. هذا يظهر قلة احترافية Big Brother، ولو كان هذا الأخير محترفا لما وصل أنصار البوليساريو في المغرب الى ما وصلوا إليه في مدن الصحراء.
صحافة السب والقذف والتخوين لن تغير معطيات واقعية وهو أن ملف الحموشي لم يتم إغلاقه في فرنسا وأن الدولة الفرنسية ترفض التدخل في عمل القضاء وهو ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس منذ أسبوعين أن “القضاء مستقل في فرنسا”، ولم يتحدث أي مسؤول فرنسي عن إغلاق الملف، ومن قال العكس بذلك فهو كذّاب ومنافق.
هل تخطط هذه المنابر لرسم صورة “البطل” للحموشي على شاكلة السيسي؟ كل المعطيات تشير الى ذلك، لأنه يمكن توجيه النقد لرئيس الحكومة بل سبه، ويمكن انتقاد زعماء الأحزاب والوزراء وباقي المسؤولين، بل يمكن انتقاد الملك محمد السادس، لكن بمجرد ما تكتب عن الحموشي ضمن معالجة تطورات ملفه أو عمل المخابرات تهب بعد الجرائد متبنية خطابا يجمع من القاموس كل كلمات وتعابير الدناءة بطريقة وأسلوب لم يشهده المغرب حتى في عهد أوفقير والدليمي والبصري الذين كانوا يحافظون على نوع من المروءة والرجولة رغم دمويتهم، وتهب هذه الجرائد هبة..واحد وكأن الأمر يتعلق ب La Presse de Pavlov.
هذه الاستراتيجية الإعلامية غبية للغاية لأن المغرب مختلف عن مصر، ولم يعد المغرب الذي يشهد نضالا حقيقيا يقبل بتقديس الأشخاص بعدما نجح في نزع القدسية من الدستور حتى عن شخص الملك وأبقى على مبدأ الاحترام له. من حق كل مغربي مناقشة قضايا البلاد من المؤسسة الملكية الى أدنى مؤسسة، ومن يحاول وضع مؤسسة المخابرات فوق النقد والتساؤل، فهو واهم.
وسيكون الأمر في غاية الغباء إذا تبين مع مرور الزمن أن أطرافا في الدولة تقف وراء التخطيط لهذه العمليات الإعلامية التمجيدية للحموشي ، فقد برهنت التجارب أنه مع عملية كل تمجيد من هذا النوع يبدأ مسلسل الأخطاء الذي يؤدي الوطن ثمن الباهض. وسيكون الخطأ مضاعفا وأكثر فداحة لو تبين مستقبلا أن مدير المخابرات الحموشي يقف بنفسه وراء هذه الحملات في وقت يحتاج المغرب فيه لاجتهادات إعلامية في الصحراء التي يتعزز فيها أنصار تقرير المصير يوميا. فالتوظيف المفترض لمنابر بئيسة للرد وبطريقة غير أخلاقية على مقالات منابر أخرى تعتمد التحليل وتتوخى تقديم الواقع الذي يزعج البعض، واللجوء إلى سلاح التخوين الذي هو سلاح الفاشلين يعتبر مضيعة للوقت والمجهودات والطاقات، ذلك أن تضييع الوقت بدل الدفاع عن القضايا الاستراتيجية والمصيرية للبلاد يلامس الخيانة بعينها للوطن.