بدأت فنزويلا تتحول الى الحالة الثالثة لصراع إقليمي يتخذ أبعادا دولية على شاكلة سوريا وأوكرانيا بسبب المواجهة القائمة بين يمين موالي للولايات المتحدة ويسار موالي لروسيا والصين ودول إقليمية كبرى مثل البرازيل. وقد حصد النزاع في البلاد 21 قتيلا مؤخرا ويخلف شللا اقتصاديا وسياسيا وسط انقسام ينذر بالأسوأ.
وبدأت الخريطة الدولية تشهد بؤر توتر حقيقية تتجاوز مفهوم النزاع المحلي الى النزاع الدولي بسبب الاستقطاب القوي الحاصل ضمن روسيا والولايات المتحدة فيما يشبه الحلة الثانية للحرب الباردة وصراع النفوذ. وبعد ما يجري في سوريا ثم تحول أوكرانيا الى سوريا أوروبا، تنتقل العدوى الى فنزويلا في أمريكا اللاتينية.
وأصبحت فنزويلا من العناوين البارزة لهذا التطور المقلق دوليا، إذ تعيش منذ شهور توترا سياسيا خطيرا أدى بالبلاد الى الانقسام الى قسمين، حيث تفاقمت الجريمة وتفاقم الصراع السياسي والاجتماعي في ظل ارتفاع مؤشرات البطالة وتراجع عائدات البترول.
ويتهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو المعارضة بالوقوف وراء التوتر الذي تمر منها البلاد. ويوجه اصابع الاتهام مباشرة الى واشنطن بدعم هذه المعارضة ووصل الأمر الى طرد ثلاثة دبلوماسيين أمريكيين منذ أيام وأقدم أمس على طرد سفير بنما بتهمة التآمر على أمن البلاد. وطالب مادورو أمس من نظيره الأمريكي باراك أوباما التوقف عن التدخل في شؤون فنزويلا حتى “لا نصل الى درب بدون منفذ”، حسبما نقلت عنه وسائل الاعلام المحلية
. ومن جهتها، تطالب المعارضة اليمينية الرئيس مادورو بالرحيل لأنه أوصل البلاد الى المأزق السياسي ويراهن على ديكتاتورية حقيقية لتقليص دور الأحزاب السياسية والانتقال “الى نظام كوبا”، كما جاء في تصريحات هذه المعارضة.
وتعتبر الإدارة الأمريكية في بياناتها منذ شهر أن ما تشهده فنزويلا هو أساليب حكم دكتاتورية تتنافى والديمقراطية، وتطالب بإصلاح حقيقي. وينتج عن التدخل الأمريكي ردا من روسيا التي تطالب البيت الأبيض بعدم تحويل فنزويلا الى بؤرة توتر جديدة. وأكدت سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في لقاء الاثنين الماضي مع نظيره الفنزويلي إلياس خوا دعم موسكو لمجهودات حكومة فنزويلا في إرساء الاستقرار في البلاد.
كما تريد الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة البرازيل مساعدة فنزويلا في السيطرة على الوضع من خلال الحوار مع المعارضة، وهو الحوار الذي لم يجد طريقه الى الطبقة السياسية الفنزويلية ويحل محله المواجهات والتظاهرات اليومية في المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة كاراكاس.
وتذهب التحاليل في وسائل الاعلام في أمريكا اللاتينية الى التكهن بالأسوأ في فنزويلا، فعلاوة على النزاع المحلي، أخذ الوضع في فنزويلا طابعا جيوسياسيا بعد إعلان روسيا احتمال إنشاء قواعد عسكرية في فنزويلا وبدل واشنطن الجهد كله لتفادي اقتراب الروس من حدودهم. وستدعم روسيا النظام القائم في فنزويلا لتحقيق هدفها بالتوفر على قاعدة عسكرية بينما ستدعم واشنطن وصول اليمين الى الحكم لتفادي هذا السيناريو المزعج.
ويكتب خوان غابرييل توكتليان في جريدة لانسيون الأرجنتينية الواسعة الانتشار أنه إذا كانت دول أمريكا اللاتينية قد تخلصت من القواعد العسكرية الأمريكية، ففنزويلا بعلاقاتها العسكرية مع روسيا ومنها استعمال القواعد العسكرية تعيد شبح الصراع، وعليها تقديم توضيحات الى “اتحاد أمم الجنوب” الذي يضم دول أمريكا الجنوبية ويحظر منح تسهيلات عسكرية لدول أجنبية.