نزل الى المكتبات الإسبانية كتاب بعنوان “يوميات عميل” لدفيد فيدال يروي تعاونه مع المخابرات الإسبانية CNI في عدد من الدول والمواضيع التي تهتم بها وتدخل ضمن الانشغالات الأمنية والسياسية لدولة اسبانيا. ويحضر المغرب بشكل أكبر مقارنة مع باقي الدول، حيث يقدم معطيات حول اهتمامات المخابرات الإسبانية ورأيه في عمل المخابرات المغربية وأساسا العسكرية التي يديرها ياسن المنصوري.
وهذه أول مرة يصدر في اسبانيا كتاب من توقيع عميل مر من المخابرات الإسبانية، ولكنه صدرت في الماضي عشرات الكتب حول هذا الجهاز الذي لا يدخل مثل باقي الدول الغربية ضمن الطابوهات.
أهمية المغرب استخباراتيا لإسبانيا
ويبرز مؤلفه في الصفحات الأولى اهتمامه بالمغرب، وهذا الاهتمام تؤكد عليه جميع الدراسات خاصة الاستراتيجية منها بسبب متانة العلاقات بين البلدين وفي الوقت نفسه أنها شائكة وتنفجر بين الحين والآخر. ويؤكد الكتاب أن ارتفاع أو انخفاض البطالة في المغرب مهم للأمن القومي الإسباني. ويسطر في الكتاب تحريره ما بين سنتي 2000 الى 2012، وهي المدة التي عمل فيها في الجهاز 1116 صفحة حول المغرب بمعدل ثلاثة الى أربعة تقارير شهريا.
ويروي ذلك ما بين الصحف 47 الى 56. ويعالج في هذه الصفحات استقطابه لجواسيس يعملون لصالحه في المغرب وخاصة في بعض المناطق، حيث كان يجري اتصالات معهم بالهاتف أو البريد الالكتروني وعادة لا يلتقي بهم أبدا. كما تجري الاستفادة من أنشطة أشخاص كانوا في اسبانيا وعادوا للإستقرار في المغرب بصفة نهائية سواء مغاربة أو اسبان.
ويبدأ بالربيع العربي في المغرب، ليؤكد اختراق المخابرات المغربية لحركة 20 فبراير وباقي الحركات الاحتجاجية، ويقدم وصفا وتعريفا للنظام القائم في البلاد أو المؤسسة الملكية “استبداد تنافسي” المتراوح بين الديمقراطية والاستبداد المطلق، وهذا يعني وجود مظاهر ديمقراطية في قطاعات واستبداد في أخرى. وبدون شك، استقى صاحب الكتاب هذا التعريف من تقرير ما للمخابرات الإسبانية وكيفية تحديدها للنظام المغربي.
الاهتمام بالتطرف والمخدرات
ويؤكد في هذا الصدد أنه كان يقوم بتتبع بعض المتشددين مثلا في الناضور، ويتطرق الى أحياء معروفة بالتطرف السلفي في هذه المدينة لمعرفة مدى توظيف السلفيين للإجرام المنظم ولو على مستوى بسيط لتمويل مشاريعهم وأنشطتهم. وحول المتطرفين يكشف أن أحسن المساعدين كانوا مسلمين معتدلين ضد التطرف ويفضحون أنشطة الآخرين. وحول التطرف، يبرز التخوف الذي كان لدى اسبانيا من تسلل متطرفين الى اللجن التي تطالب باستعادة سبتة ومليلية.
ويعالج الكتاب في الوقت نفسه ملاحقة المغرب للأنشطة المسيحية وإن كان صرامة. ويعالج الكتاب هذا الموضوع بدون إلقاء معطيات كافية أو الجدوى منه بالنسبة للمخابرات.
وفي ملف آخر وهو المخدرات، يؤكد دفيد فيدال أنه لم يعد يحظى باهتمام كبير بحكم أن الجميع يعرف تسامح الدولة المغربية مع زراعة القنب الهندي كما يلاحظ الجميع الحقول المزروعة بهذا النبات، ويكتب في هذا الصدد “من ضياع الوقت الاهتمام بالمخدرات في وقت تسمح الدولة المغربية بزرع أطنا الحشيش”.
تحول المغرب الى دركي أوروبا
يخصص الكتاب حيزا مهما للهجرة السرية ويعتبرها قضية دولة بالنسبة لمدريد ، ويعالج الظاهرة انطلاقا من المغرب وحتى غرب إفريقيا في دول مثل السنغال ونيجيريا. ويهدف الطابع الأمني والبوليسي في هذه المعالجة باستثناء في الصفحة مائة من الكتاب من خلال تأكيده على أن الهدف الرئيسي للمخابرات الإسبانية كان تحويل المغرب وموريتانيا الى الحدود الحقيقية لجنوب أوروبا. في هذا الصدد، يؤكد أن توظيف أموال وتقديم مساعدات جعلت البلدين يقومان بهذه المهمة بدل اسبانيا، حيث تراجعت نسبة قوارب الهجرة من شواطئ موريتانيا وجنوب المغرب نحو جزر الكناري وكذلك من شمال المغرب الى جنوب اسبانيا وأساسا شواطئ الأندلس.
المخابرات المغربية بدائية وتتخلى عن عملائها
ويقدم الكتاب رؤية حول تواجد عملاء الاستخبارات الأجنبية في اسبانيا، والمثير هو تركيزه على المغرب دون باقي الاستخبارات الأخرى. ويبرر هذا التركيز بالنشاط المتزايد والقوي للمخابرات التي يديرها ياسين المنصوري في اسبانيا مقارنة مع باقي الأجهزة الأجنبية الأخرى.
ويصف تحرك المخابرات المغربية في اسبانيا بغير المتطورة بل بالبدائية في الصفحة 188، ويؤكد أنهم يطبقون ما توصلوا به من أوامر والتي تتجلى في ملاحقة الذين ينتقدون الملك محمد السادس وفي محاول منع انتشار التطرف الإسلامي وسط الجالية المغربية في اسبانيا.
وينتقد طريقة عمل المخابرات المغربية التي يصفها “بشكل مفضوح” وفق الكتاب دون الأخذ بعين الاعتبار الاحتياطات السرية للحفاظ على الهوية. ويفسر طريقة التعامل هذه بتسامح الدولة الإسبانية مع المخابرات المغربية. ويجري مقارنة بين ملاحقة عدد من عملاء المغرب في دول مثل المانيا وهولندا وبلجيكا خلال الثلاث سنوات الأخيرة والتسامح في اسبانيا.
ويتطرق لعملية الطرد الوحيدة التي قامت بها المخابرات الإسبانية وتتعلق بطرد نور الدين الزياني من برشلونة السنة الماضية، حيث يفترض أنه عميل للمخابرات المغربية ، بينما نفى الزياني دائما هذه التهمة. ويكتب في الصحفة 190 أن أسباب الطرد تتجلى في تورط الزياني في أنشطة الأحزاب التي تدعو الى انفصال اسبانيا. ورغم ذلك، يؤكد أن عملية الطرد تمت برضا المخابرات المغربية التي لم تعد راضية عن الزياني بسبب اقترابه من القوميين الكتالان المنادين بالانفصال.
ورغم أن “يوميات عميل” هو أول كتاب يوقعه عميل تعاون مع جهاز المخابرات الإسبانية، يبقى محدود المضمون والرؤية، ويبدو في بعض الأحبان بمثابة سرد لعناوين الجرائد وتقديم معطيات معروفة للجميع ومتوفرة في شبكة الإنترنت. في الوقت نفسه، تعاونه مع الجهاز جعله لا ينتقده كثيرا ولا يتطرق الى النكسات التي عاشها هذا الجهاز، وهنا يختلف عن الكتب التي ألفها عملاء سابقون في المخابرات الأمريكية الذين ينتقدون المخابرات الأمريكية ويقدمون الواقع بدون “ماكياج”.