في خضم الأحداث وتتابع الأخبار الوطنية والدولية، هناك رسالة كادت أن تمر مر الكرام رغم أهمية مضمونها و رمزيتها.
أما كاتبها فهو الأستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي، المحامي المعروف بجرأته وبحضوره في العديد من القضايا الشائكة و المحاكمات السياسية و بكتاباته القوية، فهو الذي سبق له نشر رسالة مفتوحة إلى وزير العدل شهر غشت الماضي يطالبه فيها باعتقال زميله وزير الداخلية، نظرا لتورط هذا الأخير، بحكم موقعه الوزاري، في جريمة قمع المواطنين بدون وجه حق يوم 2 غشت 2013 بالرباط خلال الوقفة السلمية للاحتجاج على العفو الملكي المشؤوم عن الإسباني مغتصب الأطفال.
وهو الذي لم يتردد منذ أسابيع، في مداخلة له في ندوة حول الإعلام والإرهاب، أن يتحدث عن “عصابة ثلاثية ” تضم النيابة العامة، والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وقاضي التحقيق، تمارس الغش والتدليس المسطري، معتبرا أن استقلال القضاء يقتضي تفكيك هذه العصابة.
أما موضوع الرسالة، التي وجهها لأجل التوضيح، إلى جريدة أخبار اليوم، وعنونها ” نقطة نظام ” فهو رفضه لمكافأة مالية ملكية قرر الديوان الملكي منحها لأعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني لإصلاح العدالة بعد انتهاء أشغالها، وكان الجامعي من بينهم.
وبعد أن ذكر النقيب بقناعته المعبر عنها سالفا حول المنطلقات العشر للحوار الوطني لإصلاح العدالة، ومن بينها “شرط قيام الأعضاء بأداء مهامهم بروح من التضحية بالمصالح وبالأنانية، وعدم أداء مقابل أو تعويضات لهم أو ما يسمى في العرف بالحقيبة الملكية”، شرح للرأي العام: “أخبركم بأنني دعيت من قِبل المستشار الملكي السيد المانوني قبل ثلاثة أشهر تقريبا ولعدة مرات، فرفضت الذهاب ورفضت الحصول على المبلغ الذي سلم للأعضاء، بمن فيهم مسؤولون من القضاة، وهو كما أشرتم 120 ألف درهم”
ثم أضاف:” والغريب حسبما علمت أن المبالغ سلمت للأعضاء نقدا ملفوفة بإحكام، أي أوراقا براقة وكأنها مرايا من فضة مطهرة، وبالطبع فهي، والله أعلم، لن تظهر في دفاتر محاسبية للمستفيدين ولن يتم التصريح بها لدى المصالح الجبائية، ولن يؤد عنها مبلغ الضريبة على الدخل، لأنه فقط لم يوقع على تسلمها. ”
من بين ما يمكن استنتاجه من هذه الرسالة، والتي أكد مضمونها النقيب الجامعي مؤخرا في حوار مصور نشرته الصحافة الرقمية :
أولا، هو أن الديوان الملكي، بهذه التصرفات، يبدو وكأنه يشجع على التهرب الضريبي وعلى عدم احترام الشفافية المالية، حيث يفضل أداء المبالغ المالية نقدا رغم القوانين التي تلزم الإدارات العمومية والخواص والشركات، عند مباشرتهم أداء السلع والخدمات، باستعمال الوسائل البنكية مثل الشيك والتحويلات وغيرها كلما فاق المبلغ 20 ألف درهم، وهو ما يستدعي شرحا من أهل الاختصاص حول مدى قانونية هذا الإجراء.
ثانيا، أن بقية أعضاء الهيأة قبلوا المكافأة النقدية وغضوا الطرف عن وجود احتمال الخرق القانوني رغم أن من بينهم من ترشحه وظيفته أو صفته ومكانته الاعتبارية، من الناحية الأخلاقية على الأقل، أن يكون مثالا في الصرامة والاستقامة وأن يبتعد أن كل شبهة مهما صغُرت.
ثالثا، ولعل هذا هو الأهم، هو قرار الرفض لمكافأة ملكية في حد ذاته، والتعبير عن هذا الرفض علانية بشكل حضاري، وهو ما يعني أن هيبة الملك وسطوة القصر الملكي في المخيال الجماعي ما فتئت تتآكل ولو بشكل بطيء، وهذا من حسنات المناخ الذي فرضته حركة 20 فبراير 2011 التي أطفأت منذ أيام شمعتها الثالثة.
فشكرا للأستاذ عبد الرحيم الجامعي ورحم الله البوعزيزي.
النقيب الجامعي يرفض مكافأة ملكية/المهندس أحمد ابن الصديق
المهندس أحمد ابن الصديق