يقوم العاهل المغربي الملك محمد السادس ابتداء من الأسبوع الجاري بزيارة الى مجموعة من الدول الإفريقية وتشمل مالي وغانا والغابون والكوت ديفوار. وهذه الزيارة تأتي لتبرز رهان المغرب على تصور “تعاون جنوب-جنوب” ولكن الأهم أنها تؤكد على ما يمكن اعتباره “الاستيقاظ الدبلوماسي” للملك محمد السادس بعد تخليه لمدة طويلة عن النشاط الدبلوماسي مما انعكس سلبا على المغرب في المنتديات الدولية. وهذه الصحوة تؤكد خطئ شعار “تازة قبل غزة”.
وفي ظرف شهور معدودة، حضر الملك على الواجهة الدبلوماسية بشكل ملفت للغاية، حيث قام بجولات الى الخليج العربي لتعزيز مكانة المغرب اقتصاديا وسياسيا، وقام بجولة الى بعض الدول الإفريقية ولم يتردد في حضور حفل مراسيم رئيس دولة مالي إبراهيم كيتا. وهذه أول مرة يحضر فيها ملك مغربي مراسيم ترسيم رئيس دولة، علما أنه لم يكن يحضر حتى مراسيم تولي ملوك العرش مثلما حدث في العربية السعودية وقطر والإمارات.
وبعد غياب طويل، قرر الملك تنظيم لجنة القدس في مدينة مراكش خلال منتصف يناير الماضي ليعود الى الساحة الدولية فاعلا سياسيا على شاكلة أبيه الملك الراحل الحسن الثاني.
وهذا التوجه الجديد يختلف عن تصرفات الملك سابقا، حيث كان يسافر كثيرا ولكن في سفريات خاصة الى فرنسا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا على حساب غيابه البارز عن المنتديات الدولية ومنها لقاءات ملوك ورؤساء الجامعة العربية وكذلك أشغال الأمم المتحدة.
وعالجت كتابات صحفية وكتب ذهاب الملك في رحلات خاصة امتدت لشهرين وآخرها ما بين مايو يوليوز الماضيين خلال تواجده في فرنسا في وقت كانت البلاد تنتظر التعديل الحكومي في أعقاب قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة التي يرأسها عبد الإله ابن كيران.
وهناك إجماع على تراجع مكانة المغرب دوليا خلال السنوات الأخيرة، ولكن يختلف التقييم وشرح الأسباب. يوجد طرف يحمّل الدبلوماسية مسؤولية ذلك، ويوجد طرف يحمّل المسؤولية لغياب الملك دبلوماسيا بحكم أن ملفات الخارجية في يده.
لكن يبدو أن “السبات الدبلوماسي” الذي نهجه الملك قد انتهى نظريا وعمليا وفق معطيات الواقع، وبالتالي يمكن الحديث عن “صحوة دبلوماسية” للملك محمد السادس.
وعلاوة على الزيارات الدبلوماسية التي ينهجها الملك مؤخرا، وهي زيارات مركزية لفهم “الصحوة الدبلوماسية” الجديدة، هناك معطيات أخرى تبرز التوجه الجديد. وعلى رأس هذه المعطيات، ارتفاع وتيرة استقبال الملك للمسؤولين الذين يزورون البلاد في وقت كان يتجنب استقبال الكثير منهم، وأبرز الحالات بقاءه في فرنسا وعدم عودته لاستقبال رئيس الحكومة التركية الطيب رجب أردوغان يوم 5 يونيو الماضي. ودينامية الاستقبال الجديدة التي ينهجها الملك لا تقتصر فقط على رؤساء الحكومات وبعض الوزراء بل استقبل حتى زعيم حركة مثل الحركة الوطنية لتحرير الأزواد في مالي منذ أسبوعين.
ويدخل رهان الملك على ما يسمى “سفراء سياسيين” غير قادمين من السلك الدبلوماسي ولكنهم مقربون منه ضمن “الصحوة الدبلوماسية”. فقد عين الملك في باريس أحد المقربين منه وهو شكيب بنموسى، وعين الأسبوع الماضي في مدريد فاضل بنعيش صديق طفولته وأحد مساعديه الرئيسيين في الظل. ويجري الحديث عن احتمال تعيين مقربين وأسماء معروفة في عواصم أخرى هامة للمغرب.
وتؤكد معلومات حصلت عليها ألف بوست تدقيق الملك للتقارير التي تصله عن وضعية المغرب في الخارج وعلاقاته الدبلوماسية بشكل أكبر من الماضي بل لا يتردد في المطالبة بالتدقيق في ملفات أكثر والمطالبة بدقة أكبر في المعلومات، وهو ما جعل السفارات والمخابرات العسكرية تعيد طريقة عملها. ويدخل ارتفاع وتيرة زيارات ولقاءات وزير الخارجية الجديد صلاح الدين مزوار في إطار الصحوة “الدبلوماسية”.
والبحث عن المنعطف الذي حصل للملك من “السبات الدبلوماسي” الى “الصحوة الدبلوماسية” قد يكون حدث عندما رصد الوضع المقلق للصحراء دوليا بعدما تبين تراجع المغرب. وهذا دفعه الى القول في خطاب في البرلمان يوم 11 أكتوبر الماضي “إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة”.
وتعتبر وسائل الاعلام الوطنية والدولية مقياسا لفهم هذا التطور. وكل عملية بحث في أرشيفها لتشكيل صورة الملك محمد السادس إعلاميا، سيؤكد غيابه في القضايا السياسية الكبرى دوليا مقابل حضوره في أخبار غير إيجابية مثل ملف العفو عن غالفان وخبر افتراض حضوره سهرة المغنية البريطانية جيسي جي في مهرجان موازين بينما البلاد كانت تنتظر التعديل الحكومي. وفي المقابل سيكتشف ابتداء من من سبتمبر الماضي صورة إعلامية مختلفة عبر حضوره في ملفات دولية مثل لجنة القدس ومالي والزيارة للولايات المتحدة.
فهل هذه الصحوة الدبلوماسية تعني نهاية شعار “تازة قبل غزة” أم “سحابة صيف”؟