خلدت مدينة غرناطة أول أمس الخميس عيدها المحلي المتجلي في “سقوط غرناطة” التي كانت بداية طرد المسلمين من هذه الديار الأوروبية وتأسيس ما يعرف بالنواة الأولى للغرب، وتميز الاحتفال هذه السنة بانقسام واضح بين أنصار الحركات القومية المسيحية الأوروبية التي تعتبر هذا العيد منعطفا والحركات اليسارية التي تصف ذلك بمثابة استمرار في تخليد ماسي دموية.
وسقطت غرناطة يوم 2 يناير 1492 على يد إيزابيلا الكاثوليكية وفيرناندو، وكانت آخر معقل سياسي لسلطة إسلامية في اسبانيا، وكانت بداية انطلاق طرد المسلمين من هذه الديار خلال العقود اللاحقة. ويعتبر الكثير من المؤرخين أن سقوط غرناطة بمثابة بداية التأسيس الحقيقي للغرب. وكان يجري الاحتفال بسقوط غرناطة في مجموع أوروبا بطلب من الفاتيكان التي حاولت بهذا الرد على سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453.
وجعلت مدينة غرناطة من يوم 2 يناير “سقوط غرناطة” عيدا للمدينة حيث تحتفل به سنويا من خلال استعادة ذكرى إيزابيلا الكاثوليية واستعراضات عسكرية تخلد الانتصار على المسلمين.
وسنويا، تشهد المدينة جدلا قويا لا ينتهي خاصة في السنوات الأخيرة بين المعارضين والمؤيدين للاحتفال بسقوط غرناطة. وهناك ثلاثة أطراف، الطرف الأول يتمثل في جزء من ساكنة المدينة الذي يعتبر هذا العيد من هوية المدينة بل ومجموع اسبانيا بحكم أن اسبانيا الموحدة بدأت مع سقوط غرناطة، ويدافع هذا الطرف على الاحتفال ضن التقاليد فقط.
وطرف ثان مكون من مفكرين ونشطاء حقوقيين سواء ليبراليين أو يساريين يعتبرون أنه لم يعد هناك مجال لهذا النوع من الاحتفالات في القرن الواحد والعشرين، لأن هذا الاحتفال يخلد لمنتصر ومنهزم.
والطرف الثالث دخل على الخط مؤخرا ويتجلى في اليمين القومي المتطرف، ولم يعد الأمر يقتصر فقط على اليمين القومي الإسباني المتطرف بل يأتي ممثلون عن الحركات اليمينية المتطرفة من مجموع أوروبا للتظاهر في غرناطة. وتأخذ هذه المشاركة قوتها وخطورتها في ظل انتعاش اليمين المتطرف في مجموع أوروبا.
وهذه السنة التي تصادفت وأول أمس الخميس، كانت الاحتفالات والتظاهرات منقسمة بين الأطراف الثلاثة. وركزت وسائل الاعلام كثيرا على المتطرفين، وكتبت جريدة الموندو “المتطرفون يحاولون السيطرة على احتفالات سقوط غرناطة”، وكتب الجريدة المحلية إديال “غرناطة تحيي سقوط غرناطة الأكثر انقساما خلال السنوات الأخيرة”، أما جيدة لراثون المحافظة جدا فقط كتبت “احتفالات سقوط غرناطة مازالت تقسم المدينة”.
وتعيش شبكات التواصل الاجتماعي في الأندلس حربا من نوع خاص حيث تجري وحتى الآن مواجهة رقمية قوية بين أنصار هذا الاحتفال وبين المعارضين له. ويكتب شخص يوقع باسم مانويل الغرناطي في الفايسبوك “نعم لهذا الاحتفال حتى نحيي ذاكرتنا ونتجنب الغزو الإسلامي مستقبلا”، وترد ناشطة يسارية تحت اسم ماري لوث “سقوط غرناطة هو إحياء لتصفية عرقية لأن الذين طردوا يم يكونوا عرب بل مسلمين اسبان”.