على هامش مقتل كاميروني في طنجة: هل نرضى للمهاجر الافريقي في المغرب ما رفضناه ونددنا به في حق المهاجرين المغاربة؟/عبدالحميد البجوقي

متظاهرون أفارقة يحملون نعش الافريقي الذي لقي حتفه ليلة أمس/طنجة 24

في مثل هذا الشهر من سنة 1992 وفي أجواء الاحتفالات برأس السنة الميلادية، وتزامنا مع اليوم العالمي للمهاجر دوّت العاصمة الاسبانية مدريد بالحدث التالي:

“انتهت أحداث الانفلات الأمني الكبير الذي عرفته منطقة مونكلوا بمدريد بأقل الخسائر ، وتدخلت قوات الشرطة الاسبانية لفض الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة التي نظمها مهاجرون مغاربة على إثر مقتل شاب مغربي أثناء حملة أمنية بمجمع سكني مهجور قرب جامعة الكومبليتينسي، والذي يقطنه عدد كبير من المهاجرين السرييين أغلبهم مغاربة.

المهاجرون المغاربة قاموا بحمل جثمان رفيقهم على الأكتاف مباشرة بعد انسحاب الدورية الأمنية التي يتهمونها بقتل رفيقهم  ، وانطلقوا في مسيرة غاضبة في اتجاه قصر المونكلوا مقر رئاسة الحكومة، وتطورت الأمور إلى مناوشات بين المتظاهرين من المهاجرين السريين المغاربة وقوات التدخل  التي سارعت إلى تطويق المنطقة، وزاد الوضعية تعقيدا ملاحقة مجموعة من شباب الأحياء المجاورة للتظاهرة ورشقهم المحتجين المغاربة بالحجارة.

وادعى أحد المهاجرين المغاربة أن عناصر أمنية قامت بضرب المهاجر المغربي  على رأسه  مما تسبب في مقتله كما اتهم أحد المتظاهرين المغاربة قوات الأمن الاسبانية بالعنصرية، بينما نفت مصادر أمنية أية مسؤولية لعناصر الشرطة وأنها تدخلت بعد توصلها بأخبار عن اعتداءات على المارة والسكان من طرف بعض المهاجرين، كما أضاف المصدر الأمني أن اسبانيا دولة حق وقانون والتحقيق سيكشف عن ملابسات وفاة المهاجر المغربي والعدالة ستأخد مجراها” .

لاشك أن المتتبع  المغربي لهذه الأحداث في التسعينيات من القرن الماضي كان يصرخ متهما الاسبان ـ وفي حالات أخرى الفرنسيين..ـ بالعنصرية وبتواطئ الدولة الاسبانية وتعاملها اللاانساني مع المهاجرين المغاربة وغضها النظر عن الحركات العنصرية ، وأتذكر شخصيا هذه الأحداث الأليمة التي تلتها مع بداية  هذه الألفية أحداث الإيخيدو العنصرية والتي عمت صورها صحف ومنابر العالم ناقلة بالصور الحية  تواطئ قوات الأمن الاسبانية وجماهير غفيرة من المواطنين الاسبان يلاحقون في الشوارع مغاربة عزّل لا ذنب لهم سوى أنهم فقراء ومهاجرين ولونهم أسمر ومسلمون ويتكلمون العربية ،و حينها التزمت ووعدت حكومة أثنار اليمينية بفتح تحقيق نزيه فيما حدث وملأ الناطق الرسمي للحكومة الاسبانية فمه بعبارات من قبيل” اسبانيا دولة الحق والقانون والعدالة ستأخد مجراها ولن تبقى أية جريمة بدون عقاب.

اليوم وبعد 13 سنة من أحداث الإيخيدو، لم يصدر ولو حكم واحد في حق الفاعلين ولاالمحرضين ولم تكشف التحقيقات عن أية نتيجة تُذكر لأكبر اعتداء عنصري عرفته أوروبا في نهاية الألفية السابقة والذي خلف مئات الجرحى وحرق أحياء بكاملها سكانها من المغاربة.

ماذا لو في المقابل نظرنا إلى هذه التغطية التي عمت بعض المنابر المغربية بعد مقتل الشاب الكاميروني إثر تدخل عنيف لقوات الأمن المغربية في منطقة بوخالف قرب جامعة عبدالمالك السعدي بطنجة، وماذا لو أن   الحدث يتزامن مع احتفالات راس هذه السنة واليوم العالمي للمهاجر:

“انتهت أحداث الانفلات الأمني الكبير الذي عرفته منطقة بوخالف وحي مسنانة بطنجة بأقل الخسائر، بعد الاحتجاجات العارمة التي نظمها المهاجرون من دول جنوب الصحراء على إثر مقتل شاب كامروني (24سنة) أثناء حملة أمنية بالمجمع السكني “العرفان” (قرب جامعة عبد المالك السعدي) يوم الأربعاء 4 ديسمبر 2013.

المهاجرون من دول جنوب الصحراء  قاموا بحمل جثمان الضحية على الأكتاف مباشرة بعد انسحاب الدورية الأمنية، وانطلقوا في مسيرة غاضبة في اتجاه وسط المدينة قبل أن توقفهم القوات العمومية بعد الإنزال الأمني الكبير بالمدار الطرقي “مسنانة” كما عاينت ذلك “……” .

و تطورت الأمور إلى مناوشات محدودة، خاصة بعد دخول بعض المراهقين من سكان حي مسنانة.. ورشقهم بالحجارة للمهاجرين المحتجين وسط الطريق.. كما أسفر الإنفلات الأمني منذ بدايته إلى إصابة عنصري أمن وتهشيم زجاج العديد من السيارات وحالة من الهلع والخوف في صفوف المارة وساكنة الأحياء المجاورة نتيجة فورة الغضب البادية على محيا المهاجرين الذين كان بعضهم مدجج بالهروات والأحجار والأسلحة البيضاء.

وحسب شهادات بعض المهاجرين لـ “……..” فإن عناصر أمنية قامت بـ “دفع” المهاجر الكامروني من شرفة شقة بالطابق الرابع لإحدى العمارات السكنية “بالعرفان” مما تسبب في مقتله في الحين، لكن السلطات الأمنية وعلى لسان أحد مسؤولي الأمن نفت لـ “….” أن تكون العناصر الأمنية قد دفعت الضحية، وأضاف أن التحقيق سيكشف عن حقيقة وفاة المهاجر الكامروني”.

أترك للقارئ المغربي مسؤولية المقارنة والتفكير في مثل هذه المفارقة وفي السياسات التي تجعل من ضحايا الأمس “جناة” اليوم.

المفارقة المُضحكة والحزينة في نفس الآن ليست صدفة ، بل هي نتاج صفقات تعقدها أوروبا مع شريكها الجنوبي للقيام بالدور الذي كانت تقوم به اسبانيا في حماية الحدود الأوروبية من ضحايا سياساتها في افريقيا ، وليس عبثا أن نتابع التطور النوعي في التعاون المغربي مع أوروبا واسبانيا في هذا الشأن بداية ببناء الأسوار الشائكة المدججة بخناجر قاطعة وقاتلة في حدود وهمية (مليلية وسبتة) وفي حدودنا مع الجزائر، وكذلك في الدوريات المشتركة وغيرها من أوجه التعاون الأمني، وفي المقابل فتات من الدعم المالي لتمويل مبادرات تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة على غرار ما كانت اسبانيا تقوم به إلى غاية بداية هذه الألفية، وهو ليس سوى دور دركي الجنوب.

هل نرضى للإنسان الافريقي المهاجر في المغرب ما رفضناه ونددنا به في حق المهاجرين المغاربة؟ هل يسمح شعب ما يزيد عن 4 ملايين من أبنائه مهاجرين عبر العالم بملاحقة المهاجر على أراضي دولته؟ ألا تستقيم الذكرى لمن له ذاكرة وضمير؟

عبد الحميد البجوقي
عبد الحميد البجوقي

أملي أن يأخد التحقيق مجراه ، وأن تهتم منظمات المجتمع المدني بهذا الملف بكل جدية.

 *عضو سابق في اللجنة الأوروبية لمحاربة العنصرية واللاتسامح بالمجلس الأوروبي.

 

 

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password