تكشف الترجمة العربية التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية لنص“البيان المشترك” بعد زيارة الملك محمد السادس الى البيت الأبيض يوم 22 نوفمبر وجود اختلاف بسيط مقارنة مع الترجمة التي اعتمدتها السلطات المغربية، ولكنه اختلاف ذو دلالات، قد يلزم معها التخفيف من التفاؤل إزاء الموقف الأمريكي، لاسيما وأن بصمات مستشارة الأمن القومي سوزان رايس التي تميل إلى البوليساريو واضحة ولم يتم الانتباه إليها حتى الآن.
وقد وضعت وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض الترجمة الى اللغة العربية للبيان المشترك على شبكة الإنترنت.وأولى الملاحظات أن المغرب لم يعارض استعمال مصطلح الصحراء الغربية في وثيقة البيان المشترك بل وقع عليها. وفي الترجمة التي نشرها في المغرب ألغى مصطلح “الغربية”، ولكنه لم يضف مصطلع المغربية الى الوثيقة لتفادي إغضاب الأمريكيين.
الترجمة الأمريكية للصف الأول من الفقرة الخاصة بالصحراء:
“وتعهد الرئيس بمواصلة دعم المساعي المبذولة لإيجاد تسوية سلمية ,مستدامة ومتفق عليها بصورة متبادلة لمسألة الصحراء الغربية. لقد ظلت السياسة الأميركية تجاه الصحراء الغربية ثابتة طيلة سنوات عديدة. فقد أوضحت الولايات المتحدة أن خطة الحكم الذاتي التي تقدمت بها الحكومة المغربية هي خطة جدية وواقعية وذات مصداقية، وأنها تشكل نهجًا محتملاً قد يلبي تطلعات سكان الصحراء الغربية لإدارة شؤونهم بأنفسهم بسلام وكرامة”.
الترجمة المغربية للنص نفسه:
“تعهد الرئيس بمواصلة دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم ومقبول من لدن الأطراف لقضية الصحراء. وتماشيا مع السياسة الأمريكية الثابتة على مدى سنوات عديدة، فإن الولايات المتحدة أكدت، بشكل واضح، على أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب هو مقترح جدي وواقعي وذي مصداقية، ويمثل مقاربة ممكنة من شأنها تلبية تطلعات ساكنة الصحراء إلى تدبير شؤونها الخاصة في إطار من السلم والكرامة”.
وتبرز المقارنة بين النصين أن المغرب بالغ في ترجمة الدعم الأمريكي للحكم الذاتي باستعماله مصطلحات مثل “التأكيد” وكذلك “بشكل واضح” بينما الإدارة الأمريكية تستعمل التوضيح على موقف الإدارات السابقة.
وعلمت ألف بوست أن الدبلوماسية الأمريكية كانت حريصة كل الحرص في انتقاء المصطلحات. في الوقت ذاته، ووسط الترحيب الكبير للموقف الأمريكي لم ينبته الكثير من المحللين الى تطويق البيان للمغرب في الصحراء، حيث تبدو واضحة بصمات وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس وسفيرة واشنطن في مجلس الأمن سامنثا بوير.
وفقرة البيان المشترك التي ستحمل تأويلات مستقبلا بل وتعبر عن جانب من الموقف الأمريكي الذي لم يتم الانتباه إليه ولم يسبق لأي بيان مشترك أمريكي-مغربي أن تمت الإشارة إليه هو:
“ونحن نواصل دعم المفاوضات التي تقوم بها الأمم المتحدة، بما في ذلك عمل السفير كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، كما نحث الطرفين على العمل في سبيل التوصل إلى حل. وقد أكد الزعيمان التزامهما المشترك بتحسين حياة سكان الصحراء الغربية، ووافقا على العمل سوية لمواصلة حماية ودفع عجلة حقوق الإنسان في تلك المنطقة”.
في المقام الأول، البيان الأمريكي ينص ويركز على طرفي النزاع في إشارة الى المغرب وجبهة البوليساريو ويرفض استعمال الأطراف بينما ذهبت الترجمة المغربية الى استعمال الأطراف. وهناك اختلاف كبير بين حصر النزاع في طرفين والحديث عن أطراف.
في المقام الثاني، نص البيان المشترك على دعم كبير لمساعي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، وبهذا تمنع واشنطن على المغرب أي محاولة مستقبلا اعتراض على هذا المبعوث كما فعلت سابقا.
في المقام الثالث، فرض البيان على المغرب ملف حقوق الإنسان في الصحراء عبر العمل على تطويره، وهذا سيفتح الباب أمام مقترحات أممية. وفي الوقت ذاته، التركيز على تحسين مستوى عيش ساكنة الصحراء، يفتح الباب مستقبلا لأي مقترح أمريكي حول ثروات المنطقة.
وبهذا، فالترجمة الأمريكية التي راعت فيها مصطلحات دقيقة تدفع عمليا الى الاستمرار في توخي الحذر من الموقف الأمريكي، فهو ليس بالطريقة التي قدمتها الدبلوماسية المغربية ووسائل الاعلام الرسمية.