توجه العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس الى الولايات المتحدة في زيارة رسمية لعقد لقاء مع الرئيس باراك أوباما. ويعتبر ملف الصحراء من الملفات الرئيسية في هذا اللقاء بل ويتوقف عليه نسبيا مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. وعكس ما تقدمه كتابات سياسية في المغرب، لم يسبق لواشنطن أن أيدت الموقف المغربي في هذا النزاع بل تعاطفت مع الحكم الذاتي في لحظات تاريخية معينة فقط.
ويعيش المغرب على أطروحة “الحليف الاستراتيجي” للولايات المتحدة، بينما القاموس السياسي الأمريكي الذي يحدد الدول ويعتمده البنتاغون في رسم الاستراتيجيات المستقبلية يضع المغرب في خانة “الشريك” رفقة دول أخرى مثل اسبانيا وحتى فرنسا. وتخص واشنطن مفهوم الحليف بالدول الأنجلوسكسونية وهي بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا علاوة على إسرائيل التي ليست أنجلوسكسونية. وهناك فرق بين مفهومي الحليف والشريك، فواشنطن تتخلى عن الشريك ولكنها لن تتخلى الحليف نهائيا. وفضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكي على العالم الذي كشفها إدوارد سنودن أكدت أن واشنطن تجسست على فرنسا والمانيا واسبانيا وإيطاليا ولكنها لم تتجسس على الدول الأنجلوسكسونية.
ويجب فهم العلاقات الثنائية وموقف واشنطن على ضوء الشريك وليس الحليف، وهذا يعني أن مصلحة واشنطن تدفعها الى التخلي عن المغرب في بعض الأحيان لاسيما في الوقت الراهن الذي فقد فيه المغرب الكثير من عناصر وجوده في الساحة الدولية.
وعلاقة بالصحراء، لم يسبق للولايات المتحدة أن أعلنت تأييدا مباشرا لموقف المغرب بل كانت تتفهم في لحظات تاريخية معينة مطالب المغرب كشريك خاصة عندما كانت تحتاج للمغرب ليقدم لها خدمات ومنها خلال الحرب الباردة وإبان الحرب ضد الإرهاب خلال السنوات الماضية.
وعودة الى العلاقات المغربية-الأمريكية منذ اندلاع نزاع الصحراء، لم يسبق لواشنطن أن تبنت الموقف المغربي بل كانت تدافع دائما عن تقرير المصير لأن المغرب بدوره قبل تقرير المصير ووافق عليه. وعندما طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي رسميا في الأمم المتحدة سنة 2007، أثنت واشنطن على المقترح ولكنها لم تعتبره بديلا نهائيا لتقرير المصير.
والخلط الذي يقع فيه الرأي العام المغربي الذي اعتقد في انحياز واشنطن للحكم الذاتي مرده تلاعب الإعلام الرسمي الذي يقدم الموقف الأمريكي وكأنه لصالح المغرب حتى تفاجئ هذا الرأي العام بموقف السفيرة الأمريكية السابقة سوزان رايس في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بتقديم مقترح خلال أبريل الماضي ينص على مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
وعمليا، التحديات التي وضعت المغرب في موقف حرج للغاية في ملف الصحراء في الأمم المتحدة لم تصدر عن روسيا بل جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وأول تحدي كان من الرئيس الأمريكي حيمي كارتر الذي رفض بيع المغرب أسلحة للدفاع عن الصحراء في النصف الثاني من السبعينات في وقت كانت فيه الحرب على أشدها بين المغرب وجبهة البوليساريو بدعم من الجزائر وليبيا، وتنفس المغرب الصعداء بعد وصول الجمهوري رونالد ريغان الذي رخّص بتطوير الترسانة العسكرية المغربية.
والتحدي الثاني والخطير جاء خلال يوليوز 2003 عندما قدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر ما يعرف بالحل الثالث الذي يتضمن حكما ذاتيا لمدة خمس سنوات في الصحراء ويعقبه إجراء استفتاء تقرير المصير. وكاد سفير واشنطن في المجلس وقتها نيغروبونتي أن يفرض هذا الحل على المغرب لولا وساطة اسبانيا. والعودة الى أرشيف الصحافة المغربية ما بعد تلك الجلسة الشهيرة في مجلس الأمني يوم 31 يوليوز 2003 سيمكن من رصد الهلع الذي سيطر على النظام والطبقة السياسية من المبادرة الأمريكية.
ورغم تلك الحادثة التي جرت خلال حكم الحزب الجمهوري، تواجد جورج بوش الإبن في البيت الأبيض، وهو الحزب الذي يتفهم مطالب المغرب، لم يستفد النظام المغربي من تلك التجربة واستمر في الاعتقاد في مفهوم الحليف الذي لن يأتيه ضرر من البيت الأبيض لاسيما مع المعاملة التفضيلية التي منحتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون للمغرب حتى تفاجئ بمقترح سوزان رايس في مجلس الأمن خلال أبريل الماضي القاضي بتكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
والآن يجد المغرب أمامه إدارة أمريكية مستمرة في الموقف نفسه، تبني تقرير المصير ولكنه دون فرضه على المغرب. وكان جورج بوش الابن قد سطر على الموقف نفسه في رسالة الى الملك محمد السادس يؤكد استحالة فرض حل على المغرب. والموقف الأمريكي يتماشى ومجلس الأمن الدولي الذي يعالج نزاع الصحراء ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على الحل التوافقي.
والتطورات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة هو ظهور أجندة جديدة للولايات المتحدة بتركيزها على المحيط الهادي من جهة، ونجاح جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر في التسلل الى بعض مصادر صناعة القرار في الولايات المتحدة. وعلاقة بالنقطة الأخيرة، حصلت البوليساريو على تعاطف الجمعيات الحقوقية الأمريكية وحضور في الاعلام الأمريكي النافذ والأساسي هو تشكيل لجنة تضامن وسط الكونغرس الأمريكي مع البوليساريو.
وسط كل هذه التطورات، تأتي زيارة الملك محمد السادس الى البيت الأبيض، ويمكن اعتبارها أصعب زيارة يقوم بها الملك الى الخارج منذ وصوله الى السلطة بل ومن الزيارات الحاسمة في ملف نزاع الصحراء منذ اندلاعه.
ولنترقب النتائج الحقيقية للزيارة وليس التأويلات الرسمية التي تغيب عنها الحقيقة في مصارحة الشعب المغربي. فنجاح الزيارة مرتبط بما سيحققه الملك لصالح هذا الملف.