هل سيضم الغرب سبتة ومليلية إلى حظيرته؟

صورة لسبتة المحتلة خلال مايو 2021 حيث اقتحم آلاف المغاربة المدينة، وكانت بداية تدويل مدريد للملف بين الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي

ما بين 24 و27 من شهر سبتمبر الجاري سيقوم وفد من برلمان منظمة شمال الحلف الأطلسي، بزيارة إلى مدينة مليلية المحتلة، وهي زيارة تاريخية ذات انعكاسات سلبية على المغرب لأنها تنوي الضم النهائي لكل من هذه المدينة رفقة سبتة إلى الغرب، وليس فقط إسبانيا، يحدث هذا في ظل تطورات جيوسياسية مقلقة يعيشها العالم.
ومنذ أكثر من سنتين، تمر العلاقات بين الرباط ومدريد بنوع من الهدوء والتفاهم والتعاون في شتى المجالات، وما يجعلها أكثر هدوءاً رسميا هو المشاركة المتعددة في تنظيم كأس العالم لسنة 2030. غير أنها على المستوى السياسي والشعبي لاسيما من الجانب الإسباني فهي متوترة، ويزداد هذا التوتر بسبب توظيف اليمين، سواء المحافظ «الحزب الشعبي»، أو القومي المتطرف «حزب فوكس» لقضايا مغربية مثل الهجرة والاندماج الثقافي والتجسس بـ»بيغاسوس» رفقة مواضيع أخرى ضد المغرب.
وسط كل هذا المد والجزر في العلاقات الثنائية، والتوتر الجيوسياسي بسبب حرب أوكرانيا، وما يجري في فلسطين من مجازر، يقرر برلمان الحلف الأطلسي إجراء زيارة إلى مليلية ما بين 24 و27 من شهر سبتمبر الجاري. برلمان الحلف الأطلسي هو هيئة استشارية للجناح العسكري، لا يقرر، ولكنه يساهم في رسم القرارات المستقبلية. ولا يمكن فهم هذه الزيارة التي صادقت عليها حكومة بيدرو سانشيز، من دون إدراك أن الأمر يتعلق بمخطط دقيق تطبقه إسبانيا، سواء اليمين أو اليسار بمسار طويل للضم النهائي لمدينتي سبتة ومليلية، ليس فقط إلى إسبانيا وإنما إلى الغرب. ذلك أن إسبانيا أكملت عملية الضم باسم القوانين الوطنية الإسبانية، والآن تعمل على الحصول على الضم من خلال مؤسسات الغرب. وطنيا، خلال الانتقال الديمقراطي في إسبانيا أواسط السبعينيات بعد رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو، كان هناك اتفاق سري بين مدريد والرباط، على أن تقوم الأخيرة بالتقليل من المطالبة بسبتة ومليلية، حتى ينجح الانتقال الديمقراطي، وبعد مرور 15 سنة سيتم البحث عن آليات معينة للحوار حول المدينتين.

والتزمت إسبانيا نوعا ما بهذا الاتفاق، ولهذا لم تمنح المدينتين الحكم الذاتي، عكس مناطق إسبانيا، لكنها بمجرد نهاية الاتفاق طالب الملك الراحل الحسن الثاني بتفعيل الاتفاقية السرية، وطرح إنشاء خلية للتفكير في مستقبل المدينتين. وكان رد مدريد حربائيا، فقد سارعت إلى منح المدينتين الحكم الذاتي سنة 1995. وفي أعقاب الضغط الذي مارسه الملك الحسن الثاني على مدريد، قبلت حكومة فيلبي غونثالث سنة 1996 بإنشاء ما يسمى «لجنة ابن رشد» لدراسة عدد من القضايا بين البلدين. في السنة نفسها، فاز الحزب الشعبي بزعامة خوسي ماريا أثنار برئاسة الحكومة، وجعل من هذه اللجنة أقل من جمعية غير حكومية وبدأ مسلسل إضفاء الطابع الإسباني التام على المدينتين. وتجلى المخطط في أن كل خنق اقتصادي من طرف المغرب للمدينتين اللتين كانتا تعيشان على التهريب، سيضر الساكنة من أصول مغربية بالأساس، بينما الإسبان أو المسيحيون يشغلون أكثر من 90% من المناصب المرتبطة بالدولة، سواء في الجيش أو الشرطة أو التعليم وباقي الإدارات، ثم بدأت عملية الإدماج التام للمدينتين في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية.

ولاحقا، جرى استغلال تفجيرات 11 سبتمبر وتفجيرات 11 مارس في مدريد للتخلص من أي وصاية مغربية على القطاع الديني، علما أنه قبل هذا التاريخ كانت معظم مساجد المدينتين مرتبطة بالمغرب، ولعب الرابط الديني دورا مهما بين المغرب والساكنة من أصول مغربية. وكان المنعطف الكبير هو زيارة ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس، المدينتين خلال نوفمبر 2007، حيث خرقت مدريد اتفاق أن العاهل الإسباني، لا يمكنه نهائيا زيارة المدينتين. كان رد فعل المغرب وقتها عنيفا، حيث وصف بيان صادر عن الملكية المغربية نظيرتها الإسبانية بالإمبريالية، وتبني ممارسات وفكر القرون الوسطى. لم يتحرك المغرب في الملف، لاسيما بعدما تبنت حكومة ماريانو راخوي موقفا راديكاليا في الملف ابتداء من سنة 2013، عندما قال وزير خارجيتها آنذاك مرغايو في ندوة في العاصمة مدريد مخاطبا وكيل خارجية المغرب يوسف العمراني «إذا أردتم علاقات جيدة لا تتحدثوا عن سبتة ومليلية»، وكان المنعطف عندما زار رئيس حكومة إسبانيا الحالي بيدرو سانشيز الرباط في أبريل 2022، وقال لقد طلبت من المغرب عدم الحديث عن إسبانية سبتة ومليلية. وكان آخر إجراء هو فرض التأشيرة على كل مغربي راغب في زيارة المدينتين، بينما لم يكن يحدث هذا في الماضي.
وبدأت إسبانيا الآن سياسة الضم على المستوى الدولي، فقد نجحت خلال يونيو 2021 في استصدار قرار من البرلمان الأوروبي، في أعقاب اقتحام أكثر من 10 آلاف مغربي سبتة خلال مايو 2021، حيث اعتبر البرلمان المدينتين أراضي إسبانية. وخلال قمة الحلف الأطلسي في يونيو 2022 انتزعت من الحلف الأطلسي توصية تعتبر الدفاع عن أراضي جميع الدول الأعضاء بغض النظر عن العالم الجغرافي، بمعنى توفير المظلة العسكرية لسبتة ومليلية بطريقة غير مباشرة. والآن، سـتأتي الزيارة المرتقبة لوفد برلمان الحلف الأطلسي إلى مليلية. والمثير في هذه الزيارة هو وجود ثلاث دول كانت تتحفظ على سبتة ومليلية وهي أعضاء من تركيا، البلد المسلم، ثم أعضاء من بريطانيا، علما أن بريطانيا تتجنب الاعتراف بإسبانية سبتة ومليلية وأخيرا أعضاء عن فرنسا، علما أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك طالب إسبانيا بإعادة سبتة ومليلية للمغرب إبان أزمة جزيرة ثورة .
حول الموقف المغربي، يجري الحديث عن تبني الرباط موقف التريث والحكمة بسبب موقف إسبانيا الداعم للحكم الذاتي حلا لنزاع الصحراء. في المقابل، تستغل إسبانيا الظرف وانتقلت إلى جعل الغرب يضم المدينتين تدريجيا. وهكذا، هذه الزيارة تعتبر مؤشرا يؤكد رغبة الغرب، لأسباب جيوسياسية في ظل الصراع القائم مع قوى مثل الثنائي الصين – روسيا، الضم النهائي لكل من سبتة ومليلية إلى حظيرته، نظرا لموقعهما الجغرافي المهم، لاسيما سبتة في التحكم في الملاحة ما بين الأطلسي والمتوسط. عملية الضم ليست بغريبة عن حلف يتكون من دول استعمارية إمبريالية تريد إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية خاصة في المناطق المتاخمة لها.

Sign In

Reset Your Password