قرر الاتحاد الإفريقي معالجة أزمة شبح الجوع بسبب نقص صادرات الحبوب في السوق العالمية مع روسيا مباشرة بعدما خذله الغرب. وبهذا يكون الاتحاد الإفريقي قد اتخذ خطوات مستقلة رغم ضغوطات عواصم مثل واشنطن وباريس ولندن، وهو معطى هام في مستقبل العلاقات الدولية.
وتعد القارة الإفريقية الأكثر تأثيرا بالحرب الروسية ضد أوكرانيا، فقد ارتفعت أسعار الطاقة غير أن المقلق هو ارتفاع أسعار المواد الأولية والحبوب إلى مستوى يهدد بالمجاعة بعض الدول الإفريقية التي تعتمد على صادرات الحبوب الروسية والأوكرانية. ويصدر البلدان قرابة الثلث من التجارة الدولية في الحبوب، يذهب نصفها إلى دول إفريقية وآسيوية.
وعلى ضوء هذا، تحرك الاتحاد الإفريقي نحو روسيا لمعالجة هذا الملف الشائك الذي يهدد استقرار القارة السمراء برمتها، وحل رئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال الذي هو رئيس السنغال رفقة رئيس المفوضية الإفريقية موسى فكي محمد وأجريا مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الجمعة من الأسبوع الجاري. وحصل الاتحاد الإفريقي على تعهد من الرئيس بوتين بالاستعداد لتصدير الحبوب سواء من روسيا أو أوكرانيا علاوة على تأمين الملاحة في البحر الأسود.
وأكد ماكي سال، وفق الموقع الرقمي لروسيا اليوم، أن الدول الإفريقية تعاني تداعيات أزمة أوكرانيا، علما بأن “غالبية الدول الإفريقية تجنبت إدانة روسيا” خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة وأنه مع “آسيا والشرق الأوسط وكذلك أمريكا اللاتينية، فضل قسم كبير من دول العالم البقاء بمنأى عن النزاع”.
وحول النقطة الرئيسية وهي شبح المجاعة، يبرز أن التوترات في القطاع الغذائي الناجمة عن الحرب تفاقمت بسبب العقوبات الغربية التي تؤثر على الشبكة اللوجستية والتجارية والمالية لروسيا، ودعا إلى إبقاء القطاع الغذائي “خارج العقوبات” التي يفرضها الغربيون ردا على العملية الروسية في أوكرانيا.
ويأتي تحرك الاتحاد الإفريقي نتيجة عاملين، الأول وهو موقف الغرب الذي فرض عقوبات منها حرمان بنوك روسية متخصصة في تصدير المواد الأولية والمنتجات الزراعية مثل الحبوب من نظام سويفت، واستثنى البنوك العاملة في مجال الغاز والبترول لكي تصدر إلى أوروبا. في الوقت ذاته، فرض الغرب عقوبات على السفن كوسيلة للتصدير ومنها الحبوب إلى إفريقيا ولم يغلق أنابيب الغاز والبترول كونها وسيلة للتصدير نظرا للحاجة الأوروبية. وتتحدث الصحافة الإفريقية في دول مثل السنغال ونيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا عن هذه الازدواجية التي تضرب مصالح إفريقيا.
ونقلت مجلة لوبوان الفرنسية في عددها الأخير عن المحلل السياسي السنغالي بامبا غاي أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا تعيد صياغة العلاقات الغربية مع باقي العالم ومنها القارة الإفريقية، مضيفا أن القارة السمراء ترغب في نهج سياسة مستقلة تخدم مصالحها بالدرجة الأولى دون الانحياز لهذا الطرف أو ذاك ومن ضمن هذه المصالح تأمين أمنها الغذائي، حيث تعد روسيا مصدرا هاما للحبوب. وشدد على استقلالية استراتيجية القارة السمراء في التعاطي مع مصالحها في عالم يسير نحو تعدد القطبية.
ويتابع الغرب بنوع من القلق التوجه الإفريقي نحو روسيا، وكان البنتاغون قد أعرب عن قلق في هذا الشأن في جلسة منتصف مارس/آذار الماضي حول امتناع عدد هام من الدول عن التنديد بالحرب الروسية ضد أوكرانيا، ونسب الجنرال ستيفين تاونسند قائد أفريكوم أمام الكونغرس هذا إلى التأثير الروسي والصيني.
وبدأت أصوات داخل الغرب تعتقد أن عواصم مثل لندن وباريس وواشنطن لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الإفريقية خاصة المواد الغذائية، وهي الدول التي أنهك اقتصادها فيروس كورونا والآن لا تستطيع مواجهة انعكاسات الحرب خاصة تغذية شعوبها. وتعتبر الدول الغربية من أبرز منتجي الحبوب، ولم توفر معاملة تفضيلية للدول الإفريقية بل رفعت الأسعار بشكل كبير لهذه المواد في السوق الدولية.