تشكل الحرب الروسية ضد أوكرانيا مسرحا جديدا لتجريب أسلحة فتاكة خاصة من الجانب الروسي، وهي الأسلحة التي تعد حاسمة ليس في هذه الحرب بل ضمن الردع العسكري بين روسيا والغرب. وتتراوح بين أنظمة دفاع ومقاتلات متطورة وصواريخ دقيقة باليستية وفرط صوتية جرى استعمالها لأول مرة في تاريخ الحروب. وبعيدا عن المعلومات المتضاربة، هناك معطيات لا يمكن إغفالها وتتجلى في:
في المقام الأول، تدمير روسيا للبنية العسكرية الأوكرانية خاصة سلاح الجو والمطارات العسكرية ومخازن الذخيرة، وهي عملية تترك الجيش الأوكراني فاقد المبادرة بسبب عدم وجود التغطية الجوية وقلة الذخيرة.
في المقام الثاني، يقوم الجيش الروسي بمحاصرة أغلب المدن الأوكرانية الواقعة ما بين العاصمة كييف إلى إقليم دونباس. وإذا كانت الحرب الحالية قد تسببت حتى الشهر الأول في مقتل أقل من ألف شخص مدني وفق الأمم المتحدة، فعملية اقتحام وحرب المدن تعني عشرات الآلاف من القتلى، لاسيما وأن الأمر يتعلق بجيش يفوق قوامه ما بين النظامي والميليشيات المسلحة 250 ألفا، وهو رقم مرتفع للغاية.
في المقام الثالث، يسيطر سلاح الجو الروسي سواء بطائراته أو مضادات الطيران على الأجواء الأوكرانية، وهو ما جعل الحلف الأطلسي عاجزا عن تقديم مساعدة عسكرية ملموسة إلى القوات الأوكرانية. وهذا يفسر بنقطتين، التفوق الجوي الروسي المطلق ثم تفادي الحلف الأطلسي الدخول في مواجهة حربية ستقود إلى الحرب العالمية الثالثة إذا ما قرر محاولة فرض منطقة حظر الطيران.
في المقام الرابع، لم يلجأ الجيش الروسي حتى الآن إلى توظيف كل إمكانياته الحربية مثل اللجوء إلى المقنبلات من نوع تو 22 وتو 160 والقنابل الضخمة، إذ لم يتم تسجيل استعمال أي مقنبلة في هذه الحرب، علما أن الولايات المتحدة استعملت نصف مقنبلاتها من نوع بي 52 في الحرب العراقية.
جزء هام من الاستراتيجية الروسية يعود إلى أسلحة حديثة أو تم تحديثها تعتبر حاسمة وبدأت روسيا استعمالها/تطبيقها في هذه الحرب، ويجري توظيف بعض العتاد على نطاق واسع وآخر على نطاق محدود تماشيا مع إيقاع المواجهات ومستوى التهديد. ويراقب الغرب بشكل دقيق هذه الأسلحة وينجز تقييما لمستوى قوته العسكرية لاستخلاص نتائج في حالة توسع الحرب بين روسيا والحلف الأطلسي. وتعد الترسانة العسكرية الروسية متنوعة بين سلاح قديم وسلاح حديث. واعتمدت قوات روسيا خمسة أسلحة جديدة بإيقاع متفاوت، وهي التي تعطيها تفوقا شبه كامل على القوات الأوكرانية. وهذه الأسلحة هي:
صاروخ إسكندر:
هي صواريخ باليستية قصيرة المدى وذات سرعة فائقة تقارب مفهوم الصاروخ فرط صوتي، ذات قوة تدميرية هائلة تكاد تصل إلى مستوى «السلاح النووي التكتيكي» المخصص لضرب أهداف دقيقة عكس القنبلة النووية. تعترف الأوساط الغربية العسكرية ومنها الأمريكية أن هذا الصاروخ الذي يصعب اعتراضه خاصة نوع «م» هو الذي قام بتدمير معظم البنية العسكرية الأوكرانية. أطلقت منه روسيا المئات عل أهداف أوكرانية.
النظام الصاروخي المضاد للطيران إس 400:
عندما اختار الجيش التركي ورغم عضويته في منظمة شمال الحلف الأطلسي شراء النظام الصاروخي المضاد للطيران إس 400 الروسي سنة 2018 وضحى بصفقة المقاتلة إف 35 الأمريكية، أدركت الجيوش أهمية هذا النظام الصاروخي. وارتفعت أهميته بعدما هددت واشنطن كل دولة ومنها في الخليج والهند بالعقوبات إذا اشترت هذا النظام. ونجح إس 400 في تدمير طائرات سلاح الجو الأوكراني التي نجت من التدمير وهي جاثمة في المطارات العسكرية. ونشرت المجلة الأمريكية «ميليتاري ووتش ماغازين» منذ أسبوعين أن إس 400 أسقط سوخوي 27 أوكرانية بالقرب من الحدود البولندية على بعد يفوق 150 كلم، وهي سابقة في تاريخ مضادات الطيران. ويعد هذا السلاح ضمن الأسلحة الرئيسية التي تجعل كل محاولة فرض حظر الطيران فوق أوكرانيا من طرف الحلف الأطلسي عملية مستحيلة.
سوخوي 35:
يتحدث العالم عن إف 35 الأمريكية ولكن هناك طائرة أكثر أهمية منها وهي إف 22 رابتور التي لا تبيعها الولايات المتحدة وتتولى حراسة الأجواء الأمريكية، ويوجد عدد قليل منها في ألمانيا واليابان. ويحدث الأمر نفسه في روسيا، الجميع يتحدث عن سوخوي 57 لكن المقاتلة التي يخشاها الغرب هي سوخوي 35 القادرة على ضرب هدف من بعد يقدر مئات كلم. وهي مقاتلة متعددة المهام، قدرتها الهجومية تصل إلى مستوى المقنبلة. تولت سوخوي 35 المهام الرئيسية في ضرب أهداف دقيقة في أوكرانيا. هي طائرة تعود إلى ثلاثة عقود، لكن نسختها الجديدة تجعلها تتربع على عرش سلاح الجو الروسي لأنها تقترب من الجيل الخامس في سلاح الجو.
ميغ 31 ك:
اعتاد الرأي العام الدولي معرفة المقاتلات الغربية وخاصة الأمريكية لأنها تصدرت المشهد السياسي-الحربي منذ حرب العراق سنة 1991 وبدأ مؤخرا يتعرف على المقاتلات الروسية. ومن أبرز المقاتلات «الغامضة» ميغ 31ك، قديمة ويجري تحديثها، وتعد ضمن أسرع المقاتلات في العالم تجمع بين التشويش وحراسة المقنبلات واعتراض الصواريخ ثم حمل صواريخ فرط صوتية. وشاركت في هذه الحرب بإطلاق صواريخ فرط صوتية كينجال. وتعد ميغ 31ك مركزية في أي مواجهة مع الحلف الأطلسي.
صاروخ كينجال:
يعترف البنتاغون بتفوق روسيا والصين في مجال الصواريخ فرط صوتية لاسيما روسيا. وشهدت الحرب الحالية لأول مرة في تاريخ الحروب استعمال صاروخ فرط صوتي وهو كينجال يوم 19 اذار/مارس 2022 ضد مخازن الذخيرة، تم إطلاق الصاروخ من ميغ 31 ك واستهدف مخزنا للذخيرة بالقرب من الحدود البولندية في بلدة ديلياتين، ويعتقد أنه جرى استهداف مكان آخر في جنوب أوكرانيا. وتطلق تسمية صاروخ فرط صوتي على الصواريخ التي تتجاوز سرعتها الصوت خمس مرات أي أكثر من ستة آلاف كلم في الساعة، ولا توجد أنظمة دفاع صاروخي متطورة يمكن اعتراضها الآن. هذا الصاروخ الذي يعود فقط إلى 2017 تصل سرعته إلى 12 ألف كلم في الساعة، ويبلغ مداه ألفي كلم إذا أطلق من ميغ 31 ك وثلاثة آلاف كلم إذا أطلق من المقنبلة تو 22. التفوق الروسي في هذا النوع من الصواريخ السريعة ذات القوة التدميرية الخطيرة هو الذي يمنح موسكو ثقة في النفس لأنها تدرك صعوبة تحرك الحلف الأطلسي ضدها. ويؤكد تقرير استخباراتي عسكري أمريكي أن الهدف الذي استهدفته روسيا لم يكن يحتاج إلى صاروخ قوي مثل كينجال ولكنها تعمدت إطلاقه لكي تبرز للغرب قوتها العسكرية. وتوجد لدى روسيا صواريخ فرط صوتية أقوى من كينجال في قوتها التدميرية مثل زيركون الذي دخل الخدمة في الجيش الروسي هذه السنة 2022.
توس 1:
هو سلاح عبارة عن دبابة في الأصل، تي 72، تحولت إلى راجمة للصواريخ الحارقة تعمل على شكل الرشاش الذي يطلق مئات الرصاصات في الطلقة الواحدة أو شبيه بطائرة أ 10 الأمريكية التي تنعت «بالخنزيرة» نظرا لقوتها التدميرية. يعود إلى الحقبة السوفياتية، واستعمله الجيش السوفييتي في حرب أفغانستان، ثم روسيا في الشيشان وسوريا، لكن النسخة الأخيرة تعتبر فتاكة بسبب حجم القذيفة الذي يفوق 200 ملم ثم المدى الذي يبلغ حتى ست كلمترات، ويبقى الأساسي هو القوة الحارقة. أغلب وحدات هذا السلاح متمركزة في بيلاروسيا واستعمل الجيش الروسي القليل منها في تقدمه نحو العاصمة كييف.
في غضون ذلك، تعمل الاستخبارات العسكرية الغربية على جمع بقايا الأسلحة الروسية في مختلف المناطق الأوكرانية وبقايا إسكندر وكينجال وبقايا إس 400 لدراستها وتحليلها من أجل فهم طريقة اشتغالها لإعداد مضادات له مستقبلا. وفي المقابل تقوم القوات الروسية الخاصة بتتبع الأسلحة التي لم تنفجر لتفجيرها حتى لا تقع في يد الغرب. وتأتي هذه الحرب لتؤكد مدى تراجع القانون الدولي أمام قوة السلاح الذي تمتلكه الدول، لهذا تعمل بعض الدول على عدم امتلاك أخرى أسلحة حاسمة قادرة على خلق واقع جديد.