يدرس الغرب سواء كدول أو كمنظمة شمال الحلف الأطلسي البحث عن بديل للغاز الروسي لحرمان موسكو من ورقة سياسية هامة في استراتيجيتها تجاه أوروبا خاصة في الأزمة الحالية مع أ,كرانيا. ومن ضمن الحلول المقترحة الرهان على الغاز الجزائري وتصديره عبر أنابيب إلى ألمانيا، لكن الجزائر لديها التزامات مع روسيا سياسيا وعسكريا. كما يتم الرهان على لعب إسبانيا دورا محوريا في هذه الاستراتيجية.
ومنذ سنوات، تعارض واشنطن سياسة الاتحاد الأوروبي الاعتماد على الغاز الروسي وعدم تشغيل أنبوب نورد ستريم 2. وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد طالب ألمانيا بالتقليل من الغاز الروسي والاعتماد على استيراد الغاز الأمريكي رغم كلفته العالية بحكم أن الروسي يتم نقله برا عبر أنابيب، في حين يحتاج الأمريكي إلى أسطول ضخم لنقل الغاز المسال ثم تحويله في موانئ خاصة وإعادة تصديره عبر الأنابيب المحلية. وتستورد أوروبا قرابة 50% من احتياجاتها من النفط من روسيا.
وتفيد جريدة لفنغورديا الإسبانية في مقال لها الأحد الماضي بتفكير الحلف الأطلسي في نقل الغاز من الجزائر إلى باقي أوروبا وخاصة ألمانيا أكبر دولة مستهلكة لهذه المادة نظرا لحجم شعبها الأكبر في أوروبا ثم عدم اعتمادها كثيرا على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء عكس فرنسا. ونقلت الجريدة هذه المعلومات عن مصادر رسمية في الحكومة الإسبانية، الأمر الذي يؤكد وجود استراتيجية يجري تداولها بين الحلف الأطلسي ومدريد.
ولا تعتبر هذه الاستراتيجية جديدة بل تعود إلى سنوات، وبدأت كاتفاق بين مدريد وباريس لتعزيز ربط الطاقة بينهما وتوسيعه نحو باقي الاتحاد الأوروبي لاحقا. وجرى تجميد المشروع لأسباب منها استمرار ألمانيا بالرهان على الغاز الروسي وعدم اهتمامها بالمبادرة الإسبانية-الفرنسية. ثم بسبب ارتفاع الاهتمام بالطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي على حساب مشاريع الطاقة الكلاسيكية من نفط وغاز قبل إعادة المفوضية الأوروبية النظر في سياستها والعودة إلى الرهان على الغاز بل وتشجيع استعمال الطاقة النووية. والآن يكتسب هذا البديل أهمية قصوى للأمن الطاقي للغرب.
وتعتمد استراتيجية الحلف الأطلسي على شقين، تولي إسبانيا الدور الرئيسي في استقبال الغاز من الجزائر عبر الأنابيب الحالية وتعزيزها، ثم الرفع من قدرة موانئها في تخزين الغاز المسال. وتتوفر إسبانيا على قدرة تخزين 30% من الغاز المسال في مجموع أوروبا، وهي التي ستقدم الخدمة للمغرب باستقبال الغاز المسال وتحويله وإعادة تصديره خلال الشهور المقبلة عبر أنبوب “المغرب العربي-أوروبا” بعدما أوقفت الجزائر تصدير الغاز إليه. ويذهب الخبراء في إسبانيا إلى أن الشق الأول من استراتيجية الحلف الأطلسي أو الغرب لا تطرح مشاكل نظرا لانخراط إسبانيا في هذه الاستراتيجية التي تنتظر فقط استثمارات كبيرة لتحقيق الهدف.
ويبقى التحدي الكبير هو مدى إقناع الغرب الجزائر بهذه الاستراتيجية. وتتوفر الجزائر على احتياطات كبرى من الغاز لكنها لا تمتلك الأنابيب الكافية للرفع من التصدير بشكل كبير للغاية لا سيما بعد إغلاق أنبوب الغاز الذي كان ينطلق من الجزائر عبر المغرب وينتهي في إسبانيا. ويبقى العائق الأكبر هو نوعية العلاقات بين روسيا والجزائر، إذ يعتبر البلدان حليفين بشكل استثنائي. وعندما كانت الجزائر متخوفة من مخططات غربية لتفتيتها وإطاحة النظام الحاكم فيها بعد سقوط نظام ليبيا، قامت روسيا بتزويدها بأسلحة استثنائية ما بين سنتي 2013 و2014، وكانت أول بلد يحصل على نظام الدفاع الصاروخي إس 400 لمنع أي هجوم بالطائرات، ثم رفعت من القدرة القتالية لغواصاتها لمنع أي إنزال مستقبلا لقوات أجنبية وزودتها بصواريخ كالبير وإسكندر.
وتدرك الجزائر رغبة روسيا في جعل الغاز سلاحا مثل النفط في السبعينات، وكانت موسكو قد ارتأت تأسيس أوبيب خاص بالغاز للتحكم في الكميات التي تطرح للبيع، لكن الجزائر لم تتحمس كثيرا نظرا لارتباط اقتصادها بالغرب بينما سياسيا تميل إلى روسيا. وبدون شك، كما ابتعدت الجزائر بهدوء عن مخططات روسيا في الغاز، ستعمل على الرفع من صادراتها إلى الدول الأوروبية ولكن دون السقوط في مخططات الحلف الأطلسي.
ويستورد الاتحاد الأوروبي قرابة 50% من احتياجاته من الغاز من روسيا، و18% من النرويج وتعد الجزائر الممول الثالث بالغاز بـ13%، في حين لا تتجاوز الولايات المتحدة 6% وقطر 5%. ولهذا تعد الجزائر استراتيجية للاتحاد الأوروبي مستقبلا.