تطورات الصحراء تعيد الحرب الباردة في نسخة جديدة في منطقة المغرب العربي-الأمازيغي

ف 16 من سلاح الجو المغربي

بدأت تتعزز ملامح عودة الحرب الباردة إلى شمال إفريقيا في أعقاب اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، حيث يراهن المغرب على تحقيق مزيد من الاعترافات من الدول الغربية، وتسعى الجزائر إلى تقويض هذه الاستراتيجية من خلال روسيا. ولا يمكن استبعاد تقديم البلدين مزيداً من التسهيلات العسكرية لكل من واشنطن وموسكو لتحقيق المكاسب الاستراتيجية.
ومنذ اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 10 من الشهر الجاري، بمغربية الصحراء في ارتباط بصفقة أبراهام، وهي استئناف المغرب لعلاقاته مع إسرائيل التي كانت مجمدة ظاهرياً منذ سنة 2002 والمنطقة تشهد توتراً ملحوظاً يقترب من الحرب الباردة. وذهبت عدد من وسائل الإعلام في هذا الاتجاه ومنها جريدة «لوموند» التي نشرت حواراً مطولاً الخميس الماضي مع الباحث المتخصص في المغرب العربي بيير فيرمين بعنوان «المغرب- إسرائيل: المغرب العربي نحو تحالفات موروثة عن الحرب الباردة» يبرز الدينامية السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تسجلها المنطقة وتفاقمت مع تطبيع المغرب مع إسرائيل ومنها ارتفاع رهان المغرب على الغرب وتعزيز الجزائر علاقاتها مع روسيا بشكل أكبر وأوسع رغم علاقات التعاون التي تجمعها مع الولايات المتحدة.
ويعيش المغرب العربي حربين باردتين وليس حرباً واحدة، الأولى على المستوى الدولي والثانية هي حرب إقليمية على مستوى المغرب العربي. وعلاقة بالحرب الإقليمية، تنشط الجزائر والمغرب في محاولة استقطاب كل من موريتانيا وتونس إلى صف كل واحد منهم. وتريد الجزائر حفاظ موريتانيا على الاعتراف بالدولة التي أعلنت جبهة البوليساريو وهي «الجمهورية العربية الشعبية العربية». و يسعى المغرب إلى جلب نواكشوط إلى صفه وإقناعها بأن مستقبلها السياسي والاقتصادي يكمن في علاقات متطورة مع الرباط لتستفيد من الاستثمارات الغربية التي تجعل من الدار البيضاء مركزاً لها، ويطلب في المقابل تجميد الاعتراف بالدولة التي أعلنتها البوليساريو وليس بالضرورة الاعتراف بمغربية الصحراء. وينوي ملك المغرب محمد السادس زيارة موريتانيا خلال الشهور المقبلة ضمن هذه الاستراتيجية.
وتعد تونس حالة خاصة، فهي لا تعترف بجبهة البوليساريو ولا ترغب في الانجرار وراء سياسة الجزائر. وتبدي دبلوماسية المغربية عبر سفارتها في تونس نشاطاً متزايداً، لا سيما بعد ارتفاع أصوات سياسيين وحقوقيين ينتقدون ما يعتبرونه «صفقة المغرب مع إسرائيل من أجل الصحراء» واضطرت السفارة المغربية الى إصدار بيان توضيحي لبعض وسائل الإعلام التونسية التي تعاطت مع الموضوع بطريقة تعاكس مصالح الرباط، كما حدث مع راديو موزاييك منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
والصراع الحقيقي هو الذي يجري على المستوى الدولي، فهناك سباق الساعة بين المغرب والجزائر. وتطرق الرباط أبواب العواصم الغربية الكبرى مثل باريس ومدريد ولندن وبروكسل وروما وحتى المتوسطة مثل البرتغال على أمل في اقتناع هذه العواصم بموقف زعيمة الغرب الولايات المتحدة التي اعترفت بمغربية الصحراء. وتناولت الصحافة الإسبانية منذ أيام عزم البرتغال فتح قنصلية في الداخلة والاعتراف بمغربية الصحراء، ولكن وزارة الخارجية في لشبونة نفت الخبر وأكدت دعمها لقرارات الأمم المتحدة.
ودورها، تشن الجزائر استراتيجية مماثلة بالتركيز على الدول الإفريقية لكي لا تسحب اعترافها بالبوليساريو كدولة بعد سلسلة من سحب الاعتراف، لكن التركيز الكبير هو على روسيا لوزنها في مجلس الأمن، ولكونها الوحيدة حتى الآن التي نددت بالموقف الأمريكي المعترف بمغربية الصحراء واعتبرته خرقاً للقوانين الدولية، في حين أعربت باقي الدول ومنها ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وهي بريطانيا والصين عن تحفظها على القرار الأمريكي، باستثناء فرنسا التي رحبت بقرار واشنطن. ويبقى المظهر المقلق هو المنحنى الذي يأخذه ما هو عسكري في الصراع المغربي-الجزائري، وهذا لا يحصل الآن بل منذ سنوات. وكانت الدورية المتخصصة في التحاليل الاستخباراتية «ماغريب أنتلجنس» قد نشرت السنة الماضية تقريراً بعنوان «حرب باردة خطيرة بين عملاقي المغرب العربي» تتحدث فيه عن المنحنى العسكري الخطير.
وتحول البلدان إلى ضمن العشرين الأوائل في اقتناء الأسلحة، وعملياً يتوفران على عتاد عسكري متطور، أمريكي بالنسبة للمغرب، لا سيما بعد قرار اقتناء العشرات من طائرات إف 16، والجزائر بعد حصولها على منظومة الدفاع إس 400 الروسية وطائرات سوخوي وصواريخ إسكندر.وإذا كان سباق التسلح كلاسيكياً بين البلدين، فالمظهر الجديد يتجلى في التسهيلات العسكرية المرتقبة التي سيقدمانها إلى كل من واشنطن وموسكو. وفي هذا الصدد، بدأ الحديث يجري عن احتمال قاعدة عسكرية في المغرب إما نواحي طان طان التي تستضيف سنوياً مناورات عسكرية مغربية-أمريكية أو في الصحراء الغربية. وبدأ المغرب يستعيد أهميته العسكرية في أجندة البنتاغون بعد عودة الحرب الباردة وهذه المرة بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة في مواجهة كل من الثنائي روسيا-الصين اللتين تبحثان عن قواعد عسكرية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وبدورها، تحصل روسيا على على تسهيلات عسكرية في الجزائر خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما جعل موسكو تسمح ببيع أسلحة متطورة للجزائر لتكون منصة لها في غرب البحر الأبيض المتوسط خلال الأزمات الكبرى.
في الوقت ذاته، حصل تطور مقلق في الثقافة العسكرية للمغرب والجزائر. فقد أقدم هذا البلد الأخير على تغيير في الدستور بما يسمح للجيش الجزائري المشاركة في عمليات عسكرية خارج حدوده. ويتبنى خطاباً عسكرياً متشدداً ضد المغرب. فمن جهة، اعتبرت القيادة العسكرية الجزائرية خلال الشهر الماضي نزاع الصحراء ومنطقة الصحراء الغربية التي تعترف بوجود دولة عليها، وهي «الجمهورية العربية الشعبية الصحراوية» التي أعلنتها البوليساريو، امتداداً لأمنها القومي، وهذا للتمهيد للتدخل ولو على مستوى رفع الدعم العسكري للبوليساريو. ومن جهة أخرى، تتهم المغرب ببناء قواعد عسكرية على الحدود المشتركة لتسهيل عمل دول معادية ومنها إسرائيل للتجسس وضرب الجزائر.
ومن جانبه، يبلور المغرب خطاباً يحمّل مسؤولية ما يجري بما في ذلك القرارات التي يتخذها المغرب بما يصفه «السياسة الاستفزازية» التي تنهجها الجزائر من خلال استمرار عرقلة حل نزاع الصحراء وتسليح البوليساريو ثم سباق التسلح الذي تراه الرباط مفروضاً عليها من جارتها الشرقية.
في غضون ذلك، يبقى العنوان البارز لهذه الحرب الباردة هو استمرار الحدود البرية بين البلدين مغقلة، شأنها شأن الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية.

Sign In

Reset Your Password