أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها الخاص بوضعية حقوق الإنسان بالمغرب خلال 2019، أن وضعية حقوق الإنسان مستمرة في التردي والتدهور، بسبب ممارسات أجهزة الدولة وسلطاتها، ونتيجة سياساتها العمومية، حيث تواصل الدولة المغربية تنكرها لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان وتلكؤها في حمايتها والنهوض بها.
وأبرزت أن الدولة المغربية مصرة على عدم إعمالها لمقتضيات الاتفاقيات والعهود الدولية، وغير مكترثة بتوصيات اللجان المعنية وتقارير المقررين الخاصين، ومتجاهلة لتقارير وملاحظات المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، وعاقدة العزم على المضي قدما في تصعيدها للهجوم على حقوق الإنسان والحريات، العامة والفردية، وممعنة في استهدافها للمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وقمعها وعرقلتها لعمل المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية.
وسجلت الجمعية أن الحق في الحياة، كثيرا ما يجري انتهاكه ببلادنا، بفعل عوارض وأسباب متعددة، يروح ضحيتها مواطنون ومواطنات جراء الإهمال وغياب الرعاية الطبية اللازمة، وعدم التقيد بقواعد ومعايير السلامة وانعدام المساءلة وسيادة الإفلات من العقاب.
استمرار إصدار أحكام الإعدام
وأوضحت الجمعية أنه تم إصدار 15 حكما بالإعدام خلال هذه السنة، مسجلة 23حالة وفاة بمراكز الاعتقال، و32 في المستشفيات والمراكز الصحية والاجتماعية بسبب الإهمال الطبي أو الأخطاء الطبية، و 36 في أماكن العمل أو بسبب حوادث الشغل أو أثناء التنقل للعمل أو بسبب غياب شروط السلامة بأماكن العمل، و19 حالة بسبب لسعات العقارب ولدغات الحيات وداء الكلب/السعار، و13 وفاة بسبب استنشاق أحادي أوكسيد الكربون.
وأشارت الجمعية أن فيات الحوامل والرضع لازالت تسجل أرقاما كبيرة، بحيث يشير التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية حول صحة الأم والطفل برسم سنة 2019، أن عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة ببلادنا لا زال مرتفعا ويبلغ 22 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية خلال سنة 2018.
أما الوفيات وسط الأطفال حديثي الولادة فقد بلغت 14 وفاة لكل 1000 ولادة حية خلال نفس الفترة 2018؛ أما نسبة وفيات الأمهات في المغرب، وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الصحة، ورغم انخفاضها فهي لا زالت مرتفعة إذ بلغت 72.6 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية خلال سنة 2018؛ كما أن 13.4 في المائة من الولادات تقع خارج المستشفيات، بسبب بعد المرافق الصحية أو انعدامها في بعض البوادي والمناطق الجبلية.
وأوضحت أن الوفيات بسبب ظاهرة الانتحار عرفت ارتفاعا مضطردا ومقلقا للغاية وخاصة بجهة الشمال، حيث تشير الأرقام أن عدد حالات الوفيات انتحارا بالجهة بلغ خلال سنة 2019 نحو 120حالة، والتي يرجعها المتخصصون إلى الأزمات النفسية مثل الاكتئاب أو الاضطراب المزاجي ذي القطبين أو كل حالات الذهان، أو نتيجة أزمة اقتصادية أو اجتماعية، إلى جانب كون مستشفيات الأمراض النفسية بالمغرب لا تتوفر فيها أدنى شروط الإنسانية للاستشفاء والعلاج، وتعاني من نقص حاد في بنيات الاستقبال كالمراكز الصحية الوقائية أو أجنحة خاصة بالتكفل النفسي في المستشفيات العمومية.
ووثق التقرير 53 حالة وفاة غرقا وفي حوادث السير الجماعية بسبب غياب التجهيزات الأساسية من طرق وقناطر كافية لتمكين المواطنين والمواطنات ووسائل النقل من عبور الوديان في ظروف آمنة وسليمة.
الاعتقال السياسي
وحصر تقرير الجمعية عدد المعتقلين السياسيين لسنة 2019، في 311 معتقلا سياسيا، أغلبهم معتقلون على خلفية حراك الريف ب 172 معتقلا، يليهم معتقلون على خلفية حراك جرادة 83 معتقلا، ثم المعتقلون الصحراويون 34 معتقلا، ومن تبقى من مجموعة بلعيرج 08 حالات، إضافة إلى الناشطة الحقوقية أمينة جبار والفاعل الجمعوي حسن أفريد، و12 معتقلا بسبب الرأي والتعبير.
أما المتابعون في حالة سراح، فيبلغ عددهم 44 متابعا، من ضمنهم متابعون على خلفية احتجاجات بمنطقة الريف 20 حالة، ونشطاء بحركة 20 فبراير بمنطقة فم الحصن بإقليم طاطا الذين كانوا متابعين منذ 2012، والذين أصدرت محكمة الاستئناف بأكادير في شهر يناير من سنة 2019 حكمها ببراءتهم.
هذا إضافة إلى النشطاء الستة المتابعين منذ سنوات فيما أصبح يعرف بملف المعطي منجب، ثم متابعة ما لا يقل عن ثمانية نشطاء حقوقيين ومدونين بناء على تدوينات لهم على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، والذين تعتبرهم الحركة الحقوقية والديمقراطية ضحايا انتهاك حرية الرأي والتعبير.
وسجل التقرير أنه بالرغم من العفو والإفراج، يوم 04 يونيو 2019 بمناسبة عيد الفطر، عمن تبقى من معتقلي جرادة وحوالي 60 معتقلا سياسيا من معتقلي الريف، وإطلاق سراح عدد مهم من معتقلي الريف بمناسبة عفو 30 يوليوز 2019، فإنه بالمقابل تمت اعتقالات ومتابعات جديدة؛ سواء وسط نشطاء حراك الريف، أو في صفوف النشطاء الحقوقيين، خاصة الذين تعرضوا للاعتقال على ضوء تعبيرهم عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكدت الجمعية أنه بناء على ما توفر لديها من معطيات عند نهاية 2019، استمرار تواجد 110 من المعتقلين السياسيين، بعد إطلاق سراح عدد منهم، موزعين على العديد من السجون، وأغلبهم يقضون عقوباتهم في سجون بعيدة عن محلات سكن عائلاتهم، التي تتكبد الكثير من العناء والمشاق لزيارتهم.
انتهاك حرية الصحافة
وأبرزت الجمعية أن سنة 2019 تميزت باستمرار انتهاك حرية الصحافة والمتابعات والاعتقالات والمحاكمات الكيدية والانتقامية وغير العادلة، ومراقبة شبكة الانترنيت والتجسس على الصحفيين والمدونين واعتراض الاتصالات، وهو ما أكده تصنيف المغرب من طرف منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقريرها السنوي برسم سنة 2019 لمؤشر الصحافة في العالم، حيث احتفظ بنفس المرتبة المتأخرة لسنة 2018 وهي 135 ضمن 180 بلدا.
وسجلت الجمعية استمرار تفشي ظاهرة “صحافة التشهير” المُوجهة ضد نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والأكاديميين، والمعارضة المستقلة عن السلطة السياسية، حيث تعددت المقالات والأشرطة التشهيرية بشكل غير مسبوق خلال عام 2019، من خلال تزييف الحقائق وفبركة الأخبار والأحداث وتحويرها، ما يساهم في انتهاك خصوصية المستهدفين، وتشويه سمعتهم عبر اختلاق أحداث ومواقف وقصص لا علاقة لها بالواقع.
وأشارت أنه إلى جانب هذه الانتهاكات، تم استهداف مجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين المغاربة والصحفيين، حيث تم اقتحام هواتفهم بواسطة برنامج التجسس الذي انتجته وتسوقه شركة NSO الإسرائيلية، مما يشكل انتهاكا صارخا لخصوصيتهم.
استهداف حرية التجمع والتظاهر السلمي
ولفتت الجمعية إلى أن الدولة تواصل هجومها على مجمل الحقوق والحريات الأساسية للمواطنات والمواطنين، والتضييق المتزايد على الحق في التنظيم والتجمع والتظاهر السلمي والحق في حرية الرأي والتعبير، وتبني المقاربة الأمنية والقمعية في مواجهة مختلف الحركات الاحتجاجية للمواطنات والمواطنين المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وأضافت أن الحركة الحقوقية، بصفة عامة، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشكل خاص عانت بدورها من التضييق، حيث تعرض عدد كبير من أعضائها للمتابعات القضائية والاعتقال والاعتداءات الجسدية من طرف القوات العمومية والتشهير بهم في الإعلام الموالي للسلطة.
وانتقدت الجمعية في تقريرها الحرمان المقصود والتعسفي واللاقانوني للجمعيات الحقوقية من الفضاءات العمومية، مما أثر بشكل كبير على قدرة الحركة الحقوقية الجادة، بصفة عامة، والجمعية، بصفة خاصة، في مواصلة مجهودها الرائد في النهوض بثقافة حقوق الإنسان.
وسجلت عدم الحصول على وصولات إيداع الملفات القانونية، علما أن أغلب الهيآت التي تضع ملفاتها القانونية لدى السلطة لا تحصل حتى على وصل الإيداع المؤقت في الحين كما يفرض ذلك القانون.
وأوضحت أن الدولة تعمل على الحد من إمكانيات الوصول إلى مصادر تمويل البرامج والأنشطة، وهو ما تم، بشكل مباشر، عبر مذكرة وجهت لوزارة الخارجية بشأن تمويل الهيآت الدولية للجمعيات وفرض الإبلاغ القبلي لوزارة الخارجية بكل تمويل، وأيضا بشكل غير مرئي وغير مسبوق حيث يتم الضغط مباشرة على الجهات الراغبة في دعم المجتمع المدني المغربي حتى لا تتعامل مع الحركة الحقوقية المناضلة وخاصة مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
التضييق على حرية المعتقد
وشددت الجمعية في تقريرها أن وضعية حرية المعتقد والحريات الفردية بالمغرب، لم تشهد أي تطور جوهري، في مجال السياسة التشريعية للدولة المغربية، لفائدة ضمان وحماية حرية المعتقد والحريات الفردية عموما، فمجمل المؤشرات التي أوردتها تقارير الجمعية في هذا المجال وخصوصا لعامي2017 و2018 لازالت قائمة.
وسجلت في هذا الإطار استمرار منع الكتاب المقدس (الإنجيل) من التداول بالمغرب دون سند قانوني، وغياب وجود لكنائس مغربية يرتادها المسيحيون المغاربة، معترف بها من طرف السلطات، وإنما كنائس منزلية تمارس فيها الطقوس بشكل سري، فيما نجد أن الكنائس التي يرتادها المسيحيون الأجانب، وبحكم تعاقدها مع السلطات، ممنوع عليها استضافة المسيحيين المغاربة أو منحهم الإنجيل.
وأشارت أنه في حالة ضبط المسيحيين المغاربة فإن السلطات تعتقلهم بتهمة التجمع دون ترخيص أو بتهمة ممارسة نشاط داخل جمعية غير مرخص لها بحسب القانون، أو عرضهم على محاكمات غالبا بتهمة زعزعة عقيدة مسلم طبقا للفصل 220 من القانون الجنائي، إذا ما تحدثوا عن عقيدتهم لشخص أو أشخاص آخرين.
وأكدت الجمعية أن وضعية الشيعة المغاربة لا تقل سوءا عن حالة المغاربة المسيحيين، إذ ليس لهم الحق في إنشاء معابد خاصة بهم، ولا حق لهم في ممارسة شعائرهم، ولا زالت حملة التحريض والكراهية والعنف متواصلة ضدهم وضد المذهب الشيعي عموما.
ضرب الحق في الصحة والتعليم
وخلص التقرير إلى أن قطاع الصحة الذي يعتبر ثاني أهم قطاع بعد التعليم، يواجه صعوبات بنيوية، تتعلق بتدني الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، إذ لم تتجاوز نفقات الدولة من الميزانية العامة لصالح القطاع الصحي 5 % في المتوسط من ميزانية 2019، أي ما يقارب 18 مليار درهم خصصت 60 % منها للتسيير و40 % للتجهيز.
وظلت مساهمة الدولة في التكاليف الإجمالية للصحة، حسب الحسابات الوطنية للصحة، في حدود 27 % فقط، كما لم يتجاوز مجموع الإنفاق الحكومي على الصحة 2 % من الناتج الداخلي الخام، إضافة إلى قلة الموارد البشرية من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين، إذ يتفاقم الخصاص ليصل إلى أرقام مخيفة في عدد من المراكز والمصالح والتخصصات التي أغلقت نهائيا، بعد أن فشلت الوزارة في تعويض المغادرين والمتقاعدين والمتوفين، وتردي البنيات التحتية، إذ يوجد عدد من المستشفيات العمومية في وضعية ترد عام، وهي عبارة عن مبان قديمة ومهترئة ومتهالكة وفارغة، بعضها يفوق الثلاثين سنة.
واعتبرت أيضا أن وضعية قطاع التعليم جد متدهورة، فبينما لا يختلف أغلب المتتبعين لواقع التعليم حول التشخيص فإن تحديد الأسباب يختلف من جهة إلى أخرى، ملحة على ضرورة القطع مع توصيفات الأعراض للنفاذ إلى الجوهر من أجل الخروج من دائرة التحليلات السطحية ومعالجة المشاكل التي يتخبط فيها القطاع.