ترامب الأقل تسببا في مقتل العرب مقارنة بأسلافه

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل، ويتمنى العالم خسارة الرئيس دونالد ترامب، بما في ذلك العالم العربي. ولعل أكبر المفارقات هو أن ترامب، رغم التوتر الذي تسبب فيه في العلاقات الدولية، يبقى الرئيس الأمريكي الأقل تورطا في الحروب، خلال العقود الأخيرة، وبعبارة أخرى الأقل قتلا للعرب.
وعمليا، تمنح استطلاعات الرأي فوزا بينا للرئيس جو بايدن، بأكثر من سبع نقاط في هذه الانتخابات، وهناك حظوظ ضئيلة حول حدوث تغيير في بعض الولايات، لكي تنقلب الكفة أو الموازين لصالح ممثل الحزب الجمهوري ترامب. ومن خلال استعراض مضمون وسائل الإعلام العالمية، ومضمون تعليقات الرأي العام الدولي في شبكات التواصل الاجتماعي مثل، الفيسبوك وتويتر، يوجد ترحيب قوي وحماسي بالفوز المرتقب لبايدن، مقابل تصفيق للخسارة التي يتمناها الجميع للرئيس الشعبوي ترامب، بسبب دوره في إذكاء التوتر، ولو على مستوى التصريحات في العلاقات الدولية. وتوجد استثناءات دائما، إذ ترغب بعض الدول ومنها الخليجية، استمرار ترامب في المنصب الرئاسي لأربع سنوات أخرى وتفضل خسارة بايدن.
وتوترت العلاقات بين واشنطن وباقي العالم، فقد نشبت أزمات بين واشنطن وحلفائها قبل أعدائها، خلال الفترة الرئاسية لترامب. فقد توترت العلاقات مع كندا الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة، وتدهورت جودة هذه العلاقات مع الأوروبيين، خاصة المانيا، سواء على مستوى التعامل مع الاتحاد الأوروبي، أو داخل منظمة شمال الحلف الأطلسي، وتسبب ترامب في أزمة مع المسلمين، بمنع بعض مواطني الدول الإسلامية من الدخول إلى الولايات المتحدة، وخصص تعابير قدحية للقارة الافريقية، وجعل من مهاجري أمريكا اللاتينية وأساسا المكسيك هدفا لتصريحاته العنصرية، ويضاف إلى هذا كيف تسبب في عودة التوتر العرقي في الولايات المتحدة، لكن عندما نتأمل الواقع العميق، وننجز تقييما بين تصريحات ترامب الجريئة والمثيرة للجدل إلى مستوى الشعبوية، مقارنة مع طبيعة قراراته في العلاقات الدولية، سنتفاجأ عندما نتوصل إلى خلاصة واضحة وبالأرقام، أنه الرئيس الذي لم يتسبب في أي حرب جديدة. ويضاف إلى هذا أن الولايات المتحدة في عهده لم تقتل نسبة عالية من الناس، سواء عبر الاغتيال أو التسبب في الحروب المباشرة. وبقراءة عربية لهذه الأرقام، يعد الرئيس الأقل قتلا للعرب، سواء في الحروب أو الاغتيالات. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاضت الولايات المتحدة حروبا متعددة، أبرزها الحرب الكورية في الخمسينيات، ولاحقا حرب فيتنام، ثم خلال الثلاثين سنة الأخيرة حرب العراق الأولى، وحرب العراق الثانية، علاوة على حروب أخرى صغيرة، وتدخلات هناك وهناك سواء بشكل فردي مثل بنما وغرينادا، أو في إطار الحلف الأطلسي مثل حرب البلقان. وكل رئيس وصل إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، تسبب في اندلاع حرب، أو استمر في التي اندلعت قبل مجيئه، بمن فيهم الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، الذي يعتبر مسالما، أو الرئيس السابق باراك أوباما.

وعلاقة بالعالم العربي، فمنذ الحرب العراقية الأولى، نتيجة غزو الكويت سنة 1990، لقي قرابة نصف مليون عراقي حتفهم، سواء بالقصف أو سياسة الحصار الذي تزعمتها واشنطن، إبان حقبة الرئيس جورج بوش الأب، ثم الرئيس بيل كلينتون. وشن الرئيس جورج بوش الابن سنة 2003 الحرب الثانية ضد العراق بمبررات كاذبة، وتسبب في مقتل ما يفوق المليون شخص، سواء عبر الحرب أو الإرهاب الذي تلاها، وهي ثاني مأساة حربية بعد مأساة حرب الكوريتين التي خلفت مقتل مليوني إنسان. وفي المقابل، لم يتسبب ترامب في أي حرب جديدة، وقلّص عمليات الاغتيال عشرات المرات، ثم قلص القصف على العراق وسوريا. وتبقى هذه النسبة دون الأرقام التي شهدتها حقبة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. فقد حاول ترامب تطبيق مفهوم «الولايات المتحدة ليست شرطي العالم» وراهن على الانعزالية العسكرية في القضايا الدولية، لهذا عمل على تقليص عدد القوات الأمريكية في عدد من مناطق العالم، مثل العراق وسوريا وألمانيا.
وتوجه انتقادات إلى دونالد ترامب بشأن دعمه للأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، وعدم دعم الديمقراطية. نعم، لقد حابى ترامب بعض الديكتاتوريين وعلى رأسهم زعماء السعودية ومصر. ولا يعود هذا إلى رغبته في الحصول على العقود المالية والاستثمارات، ففترة ترامب هي الأقل مبيعا للسلاح للعرب (لا تؤمنوا بخرافة صفقة 470 مليار دولار للسعودية) ثم لم تستقبل الولايات المتحدة استثمارات عربية، إذ لا توجد أي دولة عربية ضمن العشر دول الأوائل، بل 15 في سلم المستثمرين في هذا البلد.
الموقف الأمريكي إبان ترامب يعود إلى أطروحة سياسية أمريكية، لديها أنصار في الإدارة الأمريكية عامة، أي البيت الأبيض والاستخبارات والدبلوماسية والجيش، وتتجلى في ضرورة قيام الشعوب بنفسها بإرساء الديمقراطية، أي أن بلوغ الديمقراطية يجب أن يكون نتيجة نضالات مريرة، وتضحيات للشعب التواق للديمقراطية، وليس نتيجة عوامل دعم خارجية. ذلك أن الشعب الذي يحقق مكاسب بالتضحيات سيحافظ عليها إلى الأبد، وسيعرف قيمة وثمن الحرية، وهو سر تشبث الغربيين بالديمقراطية والآن كذلك شعوب أمريكا اللاتينية. وهذه الأطروحة تختلف عن أخرى يؤمن بها فريق في الولايات المتحدة ومنتشرة بدورها في دهاليز الإدارة وتتمثل في ضرورة التدخل لنشر الديمقراطية، وهي امتداد بطريقة أو أخرى لأطروحة المساهمة في تحضر الشعوب الأخرى. ويؤمن الحزب الديمقراطي بهذه الأطروحة الأخيرة، بينما يوجد أنصار الأولى وسط الحزب الجمهوري.
نعم، تسبب ترامب في توتر في العلاقات الدولية، ويبقى الرئيس الأمريكي الوحيد بعد الحرب العالمية الثانية الذي لم يتسبب في أي حرب، ولم يتسبب في قتل العرب مثل سابقيه.

Sign In

Reset Your Password